إطفاء النيران.
لماذا يطفىء الماء النيران؟
إن إجابات القراء على هذا السؤال البسيط جدًا, لا تكون صحيحة دائمًا، وأرجو ألا يؤاخذني القراء، اذا شرحت لهم بإختصار تأثير الماء على النار.
أولا عندما يلمس الماء جسماً ملتهبا فإنه يتحول إلى بخار ويأخذ بذلك كمية كبيرة من حرارة هذا الجسم الملتهب، ولتحويل الماء المغلي إلى بخار نحتاج إلى كمية من الحرارة تزيد عن خمسة أضعاف الحرارة اللازمة لتسخين نفس الكمية من الماء البارد إلى 100 درجة مئوية.
ثانيًا. إن حجم الأبخرة المتكونة أثناء ذلك يزيد عن حجم الماء الناتجة عنه بمئات المرات، وعندما تحيط الأبخرة بالجسم الملتهب تمنع وصول الهواء إليه، وبدون هواء لا يحدث إحتراق ولزيادة قوة إطفاء الماء للنار يضاف إلى الماء أحيانًا قليل من البارود! قد يبدو هذا التصرف غريبًا ولكنه معقول تمامًا ذلك لأن البارود يحترق بسرعة ويحرر كمية كبيرة من الغازات الغير المحترقة التي تحيط بالجسم الملتهب وتعرقل إحتراقه فيما بعد.
إطفاء النار بالنار.
ربما سمع القراء بأن أحفضل وسيلة - وربما تكون الوسيلة الوحيدة - لإطفاء أو مكافحة إحتراق الغابات أو السهول هي حرق الغابة أو السهل من الجهة المقابلة وفي هذه الحالة سوف يزحف اللهب الجديد لمقابلة الحريق الهائل الأول ويلتهم في طريقه المواد القابلة للإحتراق ويذلك يحرم النار من الوقود وحالما يلتقي الحريقان يخمد كلا جداري النار في الحال كما لو كان كل منهما قد إلتهم الآخر.
وربما يكون القراء قد طالعوا كتاب " البرية " لمؤلفه كوبر، ووجدوا فيه وصفًا لكيفية إستخدام هذه الطريقة لإطفاء الحرائق التي تنشب في السهول الأمريكية ولا يمكن نسيان تلك اللحظة الدراماتيكية، عندما قام الصياد الشيخ بإنقاذ حياة السياح من موت محقق عندما حاصرتهم النيران في السهل ونقدم للقراء هذا المقتطف من كتاب " البرية " :
- وبدا الشيخ فجأة وكأنه قد صمم على القيام بشيء ثم قال : لقد حانت لحظة العمل وهتف ميدلتون مخاطبًا الشيخ: انك تذكرت هذا فجأة بعد فوات الأوان أيها الشيخ البائس إن النار تبعد عنا بمسافة ربع ميل والريح تقربها منا بسرعه مذهلة!
- النار! انني لا أخاف النار كثيرًا، هلموا أيها الشجعان واقلعوا هذا العشب اليابس من هنا حتى تصبح الأرض خالية منه تمامًا، وخلال فترة قصيرة جدًا من الزمن تم قلع العشب من مساحة من الأرض يبلغ قدرها عشرين قدمًا وأصبحت نظيفة تمامًا ودعا الشيخ النساء إلى الوقوف عند احدى حافات هذه المساحة الصغيرة من الارض زطلب منهن أن يغطين ثيابهن الخفيفة بالملاحف لحمايتها من النار التي يمكن أن تلتهمها، وبعد أخذ الإحتياطات الازمة إتجه الشيخ إلى الحافة المقابلة حيث كانت النار تحيط السياح بطوق كبير، وتناول حفنة من العشب اليابس جدًا واشعل فيه النار واندلعت النار حالا في هذه المادة السريعة الإلتهاب وعندئذ قام الشيخ برمي هذه الشعلة في وسط الخميلة العالية وتراجع إلى مركز الحلقة وأخذ ينتظر بصبر نتيجة عمله، وانقضت النار المهلكة على العشب الجديد لكي تلتهمه بشراهة وفي لحظة واحدة مدت إله ألسنتها المحرقه وقال الشيخ: سترون الآن كيف تقضي النار على النار وهتف ميدلتون بصوت علته الدهشة: ترى ألا يشكل هذا خطر علينا ويعمل على تقريب العدو منا بدلا من إبعاده؟
وازدات النار اشتعالاً وأخذت تنشر في جهات ثلاث في الوقت الذي همدت فيه عند الجه الرابعة لعدم كفاية العشب وكلما ازدادت النار إشتعالاً وزاد هياجها فانها أتت على كل ما يقف في طريقها وتركت ورائها أرضًا سوداء يتصاعد منها الدخان خالية من العشب أكصر من أن المناجل قد حصدت كل العشب الموجود فيها من جذوره وكانت حالة الهاربين ستزداد خطورة لو لم تتوسع رقعة الأرض التي نظفوها من العشب كلما أحاطت بها النار من بقية الأجهات الأخرى وبعد عدة دقائق بدأت النار بالتراجع من جميع الجهات تاركة الرحالة بعد أن لفتهم بسحابة من الدخان ولكنهم أصبحوا في مأمن تام من ألسنة النار التي ما زالت تندفع إلى الأمام بشدة وقد تطلع المشاهدون إلى الطريقة البسيطة التي إستخدمها الشيخ بنفس الدهشة التي تطلع بها ندماء الملك فرناند إلى طريقة كولومبس لإيقاف البيضة على رأسها. إلا أن طريقة إطفاء االحرائق والسهول هذه ليست بسيطة جدًا كما يبدو لأول وهلة إن إستخدام النار المضادة لإطفاء الحرائق يجب أن يتم على يد شخص خبير فقط وإلا قد تصبح الكارثة أكثر هولا. ويستطيع القارئ أن يدرك مدى الحذاقة الازمة لذلك إذا طرح على نفسه هذا السؤال:لماذا إندفعت النار التي أشعلها الشيخ لملاقاة الحريق ولم تندفع إلى الإتجاه المعاكس؟ إن الريح هبت من ناحية الحريق وساقت النار نحو الرحالة! ويظهر من ذلك أن النار الذي أشعلها الشيخ وجب ألا تندفع نحو الحريق الكبير ولكن إلى الزراء نحو السهل ولو حدث هذا الأمر لحيط الرحالة بطوق من نار وقضوا نحبهم بالتأكيد، أين يكمن سر ما قام به الشيخ؟ إن السر يكمن في معرفة أحد قوانين الفيزياء البسيطة فعلى الرغم من هبوب الريح من ناحية الحريق متجهة نحو الرحالة ولكن في الأمام بالقرب من النا يجب أن ينشأ تيار هواء معاكس يندفع لملاقاة الحريق وفي حقيقة الأمر بعد أن يسخن العواء الموجود فوق النار الهائلة يصبح أخف مما هو عليه ويطرد إلى الأعلى من قبل الهواء البارد المندفع من كافة جهات السهل البعيدة عن الحريق ولهذا السبب ينشأ بالقرب من حدود النار تيار هواء يندفع نحو اللهب ويجب إشعال النار المضادة في في اللحظة التي يقترب فيها الحريق إلى حد تحس عنده بوجود تيار الهواء المذكور وهذا يفسر لنا عدم إشعال الشبخ النار مبكرًا وإنتظاره اللحظة المناسبة بهدوء، ولو قام الشيخ بإشعال العشب فبل الوقت المناسب بقليل حيث لا وجود لتيار الهواء المضاد بعد لانتشرت النار في الإتجاه المعاكس وضيقت الخناق على الرحالة وأهلكتهم كما أنا القيام بهذه العملية في وقت متأخر لا يقل خطور عن القيام بها فبي وقت مبكر ذلك لأن النار سوف تقترب بشدة من الرحالة وتهلكهم.