منتدى البروفسور : جوني حنكليس
أهلاً و سهلاً بزوار منتدى البروفسور جوني حنكليس

عزيزي الزائر يمنع استخدام اسم زائف في منتدانا
يُرجى من العضو المسجل الأنتباه إلى ذلك كي لا تحذف عضويته

المدير العام :أ . جوني حنكليس
منتدى البروفسور : جوني حنكليس
أهلاً و سهلاً بزوار منتدى البروفسور جوني حنكليس

عزيزي الزائر يمنع استخدام اسم زائف في منتدانا
يُرجى من العضو المسجل الأنتباه إلى ذلك كي لا تحذف عضويته

المدير العام :أ . جوني حنكليس
منتدى البروفسور : جوني حنكليس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


علمي - ديني مسيحي - ثقافي - اجتماعي
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
الجميع مدعو للنقاش و الحوار : إلى جميع أعضاء منتدى البروفسور جوني حنكليس أنتم مدعوون للمشاركة في الموضوع الكذب على النفس في نقطة حوار .......أرجو المشاركة >
أجمل مشاركة لليوم ***ياأيها المختال****المقال موجود في مقالات ادبية في قسم واحة الشعر ****شكراً أ . حكمت نايف خولي

جديد جديد جديد قريباً صور من محردة انتظروناااااااااااااااااا

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» قصة الميلاد
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالأحد ديسمبر 18, 2022 3:54 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» قصة بابا نويل
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالأحد ديسمبر 18, 2022 3:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» قصة مغارة الميلاد
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالأحد ديسمبر 18, 2022 3:47 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» القديس يوحنا الذهبي الفم
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالخميس فبراير 28, 2019 11:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» القديس يوحنا الذهبي الفم
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالخميس فبراير 28, 2019 11:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» ماذا تعرف عن الكمأة
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالخميس فبراير 28, 2019 11:31 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» الليشمانيا
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالخميس نوفمبر 02, 2017 11:50 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» الكون العجيب
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالسبت سبتمبر 02, 2017 12:01 am من طرف حكمت نايف خولي

» ليلى العفيفة
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالأربعاء نوفمبر 23, 2016 2:52 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» ابن الرومي
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالأربعاء نوفمبر 23, 2016 2:47 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» هناء وسعادة الانسان
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالثلاثاء يوليو 26, 2016 12:11 am من طرف حكمت نايف خولي

» كوخ عشتار من
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالأربعاء يونيو 08, 2016 9:39 pm من طرف حكمت نايف خولي

سحابة الكلمات الدلالية
الشاطئ السلاسل الحقل المناخية المناخ المغناطيسي البحرية التيارات الحركة قارة وجود المحورية العربي التصميم عناصر الخط المدرسة خريطة الوطن حركات القمر الارض جبال يعمل الشكل ماهي
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى : البروفسور جوني حنكليس على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى البروفسور : جوني حنكليس على موقع حفض الصفحات
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 147 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Bill2017 فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 1670 مساهمة في هذا المنتدى في 1208 موضوع
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 79 بتاريخ الأربعاء نوفمبر 06, 2024 12:39 pm

 

 تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أ . أميرة الأمير
باحث
باحث



عدد المساهمات : 494
نقاط : 1368
السٌّمعَة : 30
تاريخ التسجيل : 03/08/2010
العمر : 37
الموقع : سوريا

تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Empty
مُساهمةموضوع: تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية )   تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) Emptyالخميس يناير 06, 2011 7:07 pm



تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية ) 108797341

تفسير الكتاب المقدس - العهد القديم - القمص تادرس يعقوب
أمثال سليمان 8 - تفسير سفر الأمثال
نداء علني للحكمة الأزلي


في الأصحاح السابق تحدث عن الشر كامرأة زانية لا تكف عن أن تستخدم كل وسيلة لكي تخدع الإنسان لكي تهلكه، فإن قتلاها أقوياء. بيتها هو طريق الهاوية، تحدر الكثيرين إلى خدور الموت.

في مقابل هذا نجد في هذا الأصحاح محبة الله الفائقة التي أعدت لنا الخلاص، فقدم لنا "حكمته" الأزلي متجسدًا، كلمة الله، ربنا يسوع المسيح الذي نزل إلى عالمنا، وسار بيننا، يقدم نفسه لنا حكمةً ومعرفةً وحقًا، نقتنيه فهو أفضل من كل اللآلئ وكل الجواهر لا تساويه، يهبنا ذاته ويدخل بنا إلى الأحضان الإلهية.

يحتاج إليه كل أحد ليصير ملكًا أو عظيمًا في الرب، يملك ويدبر أموره حسنًا، ويسلك بالحق. هو موضع سرور الآب، به نصير موضع لذة الآب، يُسر بنا ويهبنا الحياة المُطوَّبة.

للمرة الثالثة يتحدث الحكيم عن الحكمة كشخص وليس مجرد سمة (20:1-32؛ 13:3-18؛ 1:8-18:9).

1. نداء الحكمة العلني1-11.

2. بركات النداء12-21.

3. الحكمة الأزلي 22-29.

4. الحكمة الخالق والمخلص30-31.

5. الحكمة واهب الطوبى32-34.

6. الحكمة واهب الحياة35.

7. بؤس رافضي الدعوة36.



1. نداء علني
في الأصحاحين 8،9 إذ يظهر الحكمة كشخصٍ، يمارس 19 عملاً لكي يجتذبنا إليه، بالتعامل معنا بكل وسيلة:

1. يصرخ بلا انقطاع (1:8-3).2. يقف ليلتقي بنا (2:Cool.

3. يدعونا، مناديًا كل بني البشر (4:Cool.4. يتحدث معنا (4:Cool.

5. يوبخ (5:Cool.6. يكره الكذب (7:Cool.

7. يؤدب (10:Cool.

8. يجد معرفة عملية يقدمها للمؤمن (12:Cool.9. يبغض الكلمات الكاذبة (13:Cool.

10. يقدم المشورة الحقة والرأي السديد (14:Cool.

11 . يهب الملوك والعظماء والرؤساء والشرفاء كرامة مع عدل (15:8،16).

12. يحب (17:Cool.13. يقود في طرق الحق (20:Cool.

14. يعطي بسخاء ويملأ مخازن مؤمنيه (21:Cool. 15. يتهلل فرحًا (31:Cool.

16. يبتهج ويتلذذ ببني البشر محبيه (31:Cool.

17. يبني له بيتًا بتجسده، وينحت أعمدة (1:9).

18. يُعد طعامًا ذبيحيًا ومائدة سرائرية (2:9).

19. يُرسل عبيده وجواريه لدعوة البشرية إلى وليمته (3:9-6).

إن كانت الجهالة أو الخطية تظهر كامرأة خبيثة القلب جامحة وخائنة، تهوى اصطياد النفس وإغراءها بكل وسيلة لكي تحدرها إلى الهلاك الأبدي، فإن حكمة الله الأزلي لا يقف مكتوف الأيدي، إن صح التعبير، فإنه لا يكف عن أن ينادي في كل موضع، بل وهو الخالق ينزل إلى خليقته، وهو الحكمة المحبوب لدى الآب يجد لذته في بني آدم يقدم لهم شركة الحياة السماوية، والتمتع بالحياة المطوبة.

"ألعلّ الحكمة لا تنادي (تصرخ)،

والفهم ألا يُعطي صوته؟!" [1]

قديمًا صدر الأمر الإلهي لإشعياء النبي: "نادٍ بصوتٍ عالٍ؛ لا تمسك؛ ارفع صوتك كبوقٍ وأخبر شعبي بتعدِّيهم وبيت يعقوب بخطاياهم" (إش1:58). وكان اللاويون يقرأون البركات واللعنات بصوتٍ عالٍ (تث14:27).

تنادي الحكمة على الدوام وتصرخ لكي يسمع الكل صوتها، لتُعلن عن إرادة الله وخطته من جهة الإنسان. تعلن ذلك خلال الطبيعة التي تشهد بعناية الله؛ وتحدثت بأكثر وضوح خلال الآباء والشريعة والأنبياء. لكن الصعوبة تكمن في رفض الإنسان للاستماع للصوت الإلهي.

إن كانت الخطية لا تتوقف عن الإغراء، فإن حكمة الله ينادي بلا توقف. وكما يقول الرسول بولس: "الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء الذي به أيضا عمل العالمين" (عب1:1،2). جاء أخيرًا الحكمة الإلهي - السيد المسيح - ينادي بنفسه ويُعطي صوته مباشرة. قدم لنا حديثه، ليس فقط بالكلام، وإنما بالحب العملي الباذل على الصليب، كما أعطانا روحه القدوس لكي يحملنا فيه، فنسمع صوته خلال اتحادنا فيه، وتجديدنا المستمر لنصير أيقونة حية له.

في هذا الأصحاح يبرز أن الحكمة هي التي تسعى وراء الإنسان وتبحث عنه وتدعوه ليقبلها، لكنها لا تلزمه بذلك. على خلاف ما يتصور الكثيرون أن الله معتزل في سمواته، والإنسان يبحث عنه ويحاول إرضاءه، نرى الله خلال الحكمة ينزل إلى الإنسان، يطلبه في الشوارع وفي كل موضع، فإنه مبادر بالحب.

أين ينادينا الحكمة؟

"عند رؤوس الشواهق،

عند الطريق بين المسالك تقف.

بجانب الأبواب عند ثغر المدينة،

عند مدخل الأبواب تصرخ" [2،3].

حكمة الله أو كلمته ينادي في بيت الرب الذي كان يٌقام على رؤوس التلال العالية، والذي يقع بين مفترق الطرق كمركز للقرى المحيطة به، وقد جاء التعبير العبريbeith neithiboth nitstsbabah ليعني "البيت المؤسس عند الطرق". فإن كنا نسمع صوت الله أينما وجدنا ، وتحت كل الظروف ، لكن الله يحدثنا بالأكثر في بيته، فالكتاب المقدس هو كتاب الكنيسة، والكنيسة هي كنيسة الكتاب. في الكنيسة نلتقي بالسيد المسيح، حكمة الله، ونفتنيه ونحيا به...نسمع صوته فينا!

يقدم لنا سليمان الحكيم ثلاثة مواقع نلتقي فيها بالحكمة الإلهية:

ا. "عند رؤوس الشواهق" ، أي على المرتفعات العالية فقد استلم موسى النبي الشريعة على قمة جبل سيناء، وقدم السيد المسيح موعظته على الجبل. هكذا نحن مدعوّون لكي ننطلق مع السيد المسيح كما مع بطرس ويعقوب ويوحنا فنراه متجليًا على جبل طابور. نصعد دومًا ولا نستكين عند سفح الجبل ، فنقول مع المرتل: "إليك رفعت نفسي ..."، ترتفع نفوسنا لتتحد مع المصلوب على جبل الجلجثة! هناك نسمع الصوت الإلهي الفريد، صوت الحب العملي الباذل، الوصية الإلهية في أروع صورها!

تقف الحكمة عند قمم المرتفعات والجبال، فالدعوة علنية. ارتفع السيد المسيح - الحكمة - على الصليب على جبل الجلجثة، حيث شاهده اليهود والأمم، ليُعلن حبه العملي الباذل، باسطًا يديه ليحتضن الكل بلا استثناء. إنه محب كل البشرية، مخلص العالم!

إن كان قد نزل حتى سفح الجبل ليلتقي بالجماهير البسيطة، فإنه ينادي من على القمم لكي يراه الكل ويسمعوه، ولا يكون لأحد عذر في رفض الدعوة.

ب. "عند الطريق بين المسالك"، فالحكمة يقف عند مفترق كل الطرق ، حتى يأتي إليه الجميع ، من المشارق والمغارب، ومن الشمال والجنوب. إنه مخلص العالم كله! هكذا تفتح الكنيسة أبواب قلبها لكل إنسان!

عند ملتقى الطرق يقف السيد المسيح حيث يجد الإنسان في حيرة لا يعرف أين يتجه، فيقوده في الطريق الملوكي. يظلل عليه كسحابةٍ تحميه في النهار، وكعمود نورٍ يبدد الظلمة من خلاله. لقد قيل عن الجهلاء: "تعب الجهلاء يعيبهم، لأنه لا يعلم كيف يذهب إلى المدينة" (جا15:10)، لذا يقف حكمة الله فيلتقي بهم ليدخل بهم إلى بيته، بيت الحكمة السماوي.

جاءت العبارة بالعبرية beith nethiboth nitsabah”" تعني "البيت المؤسس عند الطريق"، ويعني به "بيت الله"، سواء خيمة الاجتماع أو الهيكل في العهد القديم، والكنيسة في العهد الجديد، حيث يكون بيت الله في ملتقى الطرق، ويمكن للإنسان أن يبلغ إليه.

إن كان بيت الله هو موضع العبادة حيث يلتقي فيه المؤمنون كأبناء لله يمارسون عبادتهم خلال بنوتهم لله، فإنه أيضًا موضع كرازة، فيه يتحدث السيد المسيح للعالم خلال خدامه ليُدرك الكل محبة الله الفائقة. فالكنيسة هي موضع لقاء الحكمة الإلهي بالبشرية، حيث يُقدم المسيح ذاته للجميع.

ج."بجانب الأبواب...عند مدخل الأبواب"، هناك كان يجتمع شيوخ المدينة ليحكموا في قضايا الشعب، وكأن الحكمة الإلهية يود أن يقدم ذاته لكل من له شكوى، أو من كان في ضيقٍ، فهو وحده يقدر أن يرد للنفس سلامها.

إذ تجسد حكمة الله، وصار إنسانًا، كان يجول يصنع خيرا في كل موضع .أعلن رسالته في الهيكل كما في المجامع، وعلى قمم الجبال، وعلى شواطئ البحار، وفي القرى، كما في طرق المدن وفي البيوت. وقد استلم تلاميذه هذه الروح ، فسلكوا كما سلك معلمهم ، يبحثون عن الخطاة أينما وجدوا، ويقدمون صوت الحق في كل موضع.

تصرخ الحكمة عند أبواب المدخل ومداخلها لتلتقي بالداخلين والخارجين. إن كان السيد المسيح هو "الباب" فإن تلاميذه ورسله وكل خدامه يلزمهم أن يصرخوا بحق الإنجيل فيه، ليكشفوا عن كنوزه المقدمة للبشرية، وعن الحق لكي يتمتع الكل به.

ليتنا لا نقف مع السيد فقط على القمم العالية، ولا نتحدث عنه فقط في داخل المبنى الكنسي، لكن نحمله إلى كل إنسان، نذهب إليه لنقدم له "الباب الملوكي".

* إذ يتمسكون بالبر في براءة لا يخجلون، هذه هي الكرازة عند الباب.

ومن هو هذا الذي يكرز عند الباب؟

ذاك الذي يكرز في المسيح، لأن المسيح هو الباب الذي به ندخل إلى تلك المدينة...

لهذا فان الذين يتكلمون ضد المسيح هم خارج الباب، إذ يطلبون كرماتهم الذاتية، لا كرامة المسيح . أما الذي يكرز عند الباب فيطلب كرامة المسيح لا كرامته الخاصة. لهذا فإن من يكرز عند الباب يقول: "لا تثق فيَّ، لأنك لا تدخل من خلالي بل من خلال الباب. أما الذين يطلبون من الناس أن يثقوا فيهم فإنهم يريدون منهم ألا يدخلوا من الباب، فلا نعجب إن أُغلق الباب أمامهم وباطلاً يقرعون ولا يُفتح لهم[190].

القديس أغسطينوس

"لكم أيها الناس أنادي،

وصوتي إلى بني آدم" [4].

جاءت كلمة "الناس" هنا ishim لتعني أصحاب الغنى والسلطة، فالحكمة الإلهي ينادي أصحاب السلطان كقادة مسئولين وأيضًا يرفع صوته إلى كل بني البشر . يدعو الأغنياء كما الفقراء أن يسلكوا بالحكمة. إنه يدعو كل بني آدم ، فقد ذاق السيد المسيح الموت من أجل كل إنسانٍ، مقدمًا إنجيل الخلاص لكل العالم. وكما يقول الرسول بولس: "برّ الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق…" (رو22:3).

يعلن القديس أغسطينوس عن عمومية الخلاص للعالم بلا تمييز أو محاباة، قائلاً:

[جاء المسيح للمرضى فوجد الكل هكذا. إذن لا يفتخر أحد بصحته لئلا يتوقف الطبيب عن معالجته… لقد وجد الجميع مرضى.

لكنه يوجد نوعان من القطيع المريض؛ نوع جاء إلى الطبيب والتصق بالمسيح وصار يسمعه ويكرمه ويتبعه فتغير… أما النوع الآخر فكان مفتتنًا بمرض الشر ولم يدرك مرضه، هذا النوع قال لتلاميذه: "لماذا يأكل معلمكم مع العشارين والخطاة؟!" (مت11:9). وقد أجابهم ذاك العارف لهم ولحالهم: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى"[191].]

بعد أن أكد عمومية الدعوة عاد يخصص دعوته للحمقى والجهال، فإن من يكتشف خطاياه أو يدرك حمقه وجهله يجد في المخلص شفاءه.

"أيها الحمقى تعلموا ذكاءً،

ويا جُهّال تعلموا فهمًا" [5].

يوجه حديثه إلى البسطاء (الحمقى) pethaim الذين خدعتهم الكلمات المعسولة وإغراءات الخطية، فسقطوا في هوة الشر، كما يُحدِّث الجهال kesilim ، ويقصد بهم الأغبياء الذين في جهلهم صلّبوا الرقبة وفقدوا الإحساس.

يفتح باب الرجاء أمام المخدوعين والجهال بقبولهم إياه حكمة وفهمًا!

د. بركات النداء

غاية نداء حكمة الله أنه إذ يجد لذته في بني البشر يودّ أن يقدم لهم ذاته فينالوا غنى وكرامة وحكمة ومعرفة ونجاحًا في كل جوانب الحياة، كما يقدم حبًا لا يتلقاه إلا من يتجاوب معه بالحب… لذا يركز على وعده: "أحب الذين يحبونني".

إذ أوضح سليمان أن الدعوة لم تتوقف قط وأنها عامة لجميع البشر، خاصة الذين خدعتهم الخطية وحطمهم الجهل، حدثنا عن بركات هذه الدعوة، قائلاً:

"اسمعوا، فإني أتكلم بأمورٍ شريفةٍ،

وافتتاح شفتي استقامة" [6].

لماذا يليق بهم أن يسمعوا؟ لأن ما ينطق به السيد المسيح ليس بأمور بلا قيمة، بل هي أمور شريفة negidim، أي أمور فائقة، لها الأولية في حياة الإنسان، أسمى من كل الأمور الأخرى. يُعلِم أمورًا تمس كرامتهم الأبدية ومجدهم الفائق الدائم.

إذ يفتح شفتيه تنبعث منهما الاستقامة meysharim ، أي الأمور التي تصحح مفاهيمنا الخاطئة وتحول الطرق الملتوية إلى طرق مستقيمة.

فإن كان الحديث موجه إلى الحمقى والجهال [5] هؤلاء الذين بجهالاتهم صاروا تافهين، لكن الحكيم يتحدث في أمور خطيرة تنزعهم مما هم فيه لتصير حياتهم ذات قيمة.

"لأن حنكي يلهج بالصدق،

ومكرهة شفتيَّ الكذب" [7].

ينطق السيد المسيح بالحق الذي لا يعرف الباطل، ولا يمتزج بالكذب!

"كل كلمات فمي بالحق (في البرّ)،

ليس فيها عوج ولا التواء" [8].

الحق betsedek الذي يخرج من شفتيه هو الحق العملي، أو البر الممتزج بالعدالة في معاملاته مع أبيه ومع البشرية، يُعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله. كلماته تكشف بصدقٍ عن علاقة الإنسان بالله إلهه وبقريبه كما بنفسه. هذا الصدق الذي يحمل عدلاً واستقامة، وليس شيئًا من الخداع أو الانحراف، ولا يحتمل تأويلاً، أو الذي يقود إلى اعوجاج، ولكن على العكس:

"كلها واضحة لدى الفهيم،

ومستقيمة لدى الذين يجدون المعرفة" [9].

من هو مهتم بخلاص نفسه والتمتع بالمعرفة الحقة يدرك أسرار الحكمة الإلهية، وتصير خطط الله واضحة ومستقيمة أمامه ، ومن ينعم بالمعرفة، أي يعرف نفسه كما ينبغي يرى حتى في تأديبات الرب استقامة، ويتلامس مع وعود الله بكونها صادقة وأمينة.

لقد بكى القديس يوحنا الحبيب كثيرًا لأنه لم يوجد أحد مستحق أن يفتح السفر ويقرأه، ولا أن ينظر إليه. لكن قال له أحد القسوس: "لا تبكِ. هوذا قد غلب الأسد الذي من سبط يهوذا أصل داود ليفتح السفر ويفك ختومه السبعة" (رؤ5:5). الآن وقد فُكَّت ختوم السفر صارت خطة الله واضحة لمؤمنيه، يدركون أسراره ويتذوقون عربون المجد الذي أعده لهم.

كل ما يُعلنه السيد المسيح هو ثمين للغاية:

"خذوا تأديبي لا الفضة" [10].

"والمعرفة أكثر من الذهب المختار" [10].

لماذا يكرر الله الدعوة لكي نقبل التأديبات الصادرة منه أكثر من الفضة؟ كثيرًا ما يكف الآباء حسب الجسد عن تأديب أولادهم، إما لأنهم يئسوا من الإصلاح، أو لأنهم شعروا أنهم يُغضبون أبناءهم، أما أبونا السماوي فلن يتوقف عن تأديبنا لأنه يترجى دومًا خلاصنا، مهما بلغ عنادنا، ومن جانب آخر فإن محبته أبدية، لا يطلب أن يسترضينا هنا على حساب شركتنا معه في المجد الأبدي.

"لأن الحكمة خير من اللآلئ،

وكل الجواهر لا تساويها" [11].

المعرفة هي طعام النفس، بدونها تخور النفس وتموت! يقول الحكيم إن المعرفة أفضل من الذهب الخالص. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). يشبِّه البعض البشرية التي تنشغل بالذهب والغنى دون المعرفة الإلهية بجماعة انكسرت بهم السفينة في وسط المحيط، وإذ وجدوا جزيرة جرداء نزلوا إليها ونجوا لكنهم صاروا في عزلةٍ تامة عن كل العالم. كان لديهم غلال وأطعمة، فبدأوا يأكلون ويشربون، وإذ اكتشف أحدهم مناجم ذهب غنية جدًا تهللوا، وصاروا يستخرجون الذهب حتى اغتنوا جدًا ولم يبالوا بالزراعة. جاء فصل الشتاء ونفذ الطعام مع فيض كثير من الذهب، لكن ماذا ينفعهم الذهب؟ لقد خاروا من الجوع، وأخيرًا ماتوا وسط أكوام الذهب[192]. هذا هو حال من يرفض المعرفة الإلهية لأنه مشغول بالغنى.



2. بركات الحكمة
إذ يقدم حكمة الله نداء عامًا وعلنيًا لكل البشر كي يقتنوه، يكشف عن عمله في حياة الذين اقتنوه، حيث يُعلن ذاته لهم وفي داخلهم.



أولاً: يهب الذكاء والتدبير الحسن
"أنا الحكمة أسكن الذكاء،

وأجد معرفة التدابير" [12].

إذ يسكن حكمة الله فينا يسكن معه الذكاء، فيهب المؤمن فكرًا صادقًا وإدراكا واعيًا. كل ذكاء أو مهارة هو من عند الرب. فقد اخترع الإنسان طرق كثيرة للتدبير، والرب يهب كل طرقٍ للبنيان. ذكاء الإنسان الذاتي يُدمر إذ ينقصه الصلاح، وأما الذي يهبه الله فيبني.

من جانب آخر يهبه معرفة اختبارية عملية يدعوها "معرفة التدابير mezimnoth emsta". كلما حمل الإنسان الحكمة الروحية، تترجم في حياته الداخلية وسلوكه الظاهر إلى تدابير عملية بارة ومقدسة في الرب. الذكاء هو قدرة على التفكير بمهارة، أما الحكمة فتحمل مع الذكاء ممارسة، فالحكمة تقود الإنسان إلى العمل بأسلوب لائق تقوي. هذا هو الجانب الإيجابي لعمل الحكمة، أما الجانب السلبي فهو كراهية الحكيم للشر والجهالة.



ثانيًا: يهب مخافة الرب التي ترفض الشر
"مخافة الرب بغض الشر،

الكبرياء والتعظم وطريق الشر وفم الأكاذيب أبغضت" [13].

تفيض الحكمة على مقتنيها ليس فقط بالذكاء والتدبير الحسن وإنما تملك على مشاعر القلب وأحاسيسه، فيكره المؤمن أربعة أمور: الشر، والكبرياء، والعجرفة والخداع. بمعنى آخر. إن كانت مخافة الرب هي رأس الحكمة، فإنه بالحكمة ننعم بالمخافة التي بدونها لن نحب البر والصلاح ونبغض الخطية والشر.

الخوف من العقوبة ربما يُلزمنا ألا نخطئ، لكنه قد يولِّد اشتياقًا أكثر نحو الخطية، لأن "المياه المسروقة حلوة، وخبز الخفية لذيذ" (أم17:9). أما مخافة الرب التي تقوم على دالة الحب وإدراك بنوتنا لله فتجعلنا نكره الخطية، ليس خوفًا من العقوبة، وإنما حبًا في الله أبينا إذ نرى في الخطية جرحًا لمحبة الله الذي لا يقبل الظلمة.

الإنسان وقد فسدت طبيعته بعد السقوط صار يميل إلى الخطية وينجذب إليها بالرغم من إدراكه لخطورتها على حياته، لذا يحتاج إلى حكمة الله، المخلص، ليجدد بروحه القدوس طبيعته، ويهبه بغضة داخلية للخطية.

لقد صرخ رجال العهدين القديم والجديد بسبب ميل الإنسان إلى الشر:

"القلب أخدع من كل شيء، وهو نجيس، من يعرفه؟!" (إر9:17).

"كما هو مكتوب إنه ليس بار ولا واحد، ليس من يفهم، ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (رو10:3-12).

يستحيل على الإنسان أن يبغض الشر ما لم يحب الصلاح، ولما كان بغض الشر يقود الإنسان إلى هجر الطريق الشرير، ومحبة الصلاح تقوده إلى عمل ما هو حق في عيني الله، وذلك بفعل الروح القدس الذي يهب كراهية للشر وحب الصلاح، لذلك فإن هذا من جانبه يلهب فينا مخافة الرب.

إن كانت مخافة الرب تمثل صلاحًا عميقًا في القلب يقوده بعيدًا عن الشر، بل يهبه بغضة للشر، فإن هذا العمل الداخلي يحمل ترجمة عملية في السلوك الظاهر برفض الكبرياء والتشامخ والنطق بالكذب.

في حديث البابا أثناسيوس الرسولي عن القديس أنبا أنطونيوس الكبير يقول: [إذ كانت نفسه حرة من القلاقل، كان مظهره الخارجي هادئًا؛ هكذا من فرح نفسه حمل ملامح باشة؛ ومن حركات جسده يمكن إدراك حالة نفسه، كما هو مكتوب: "القلب الفرحان يجعل الوجه طلقًا، وبحزنه ينسحق (الوجه)" (أم13:15).



ثالثًا: يعطي القدرة على تقديم المشورة
"فيَّ المشورة والرأي.

أنا الفهم،

لي القدرة" [14].

إذ للحكمة - ربنا يسوع - المشورة وأيضًا القدرة على تقديم فكرٍ صائبٍ وتدبيرٍ حكيمٍ للأمور بفهم، فإنه يهب من يقتنيه القدرة على تقديم المشورة بدوره للآخرين. لهذا فإن المؤمن التقي يصير مشيرًا روحيًا حتى في صمته، أما الشرير فيعجز عن تقديم مشورة صالحة فعّالة، حتى إن كان يجيد الحديث وله خبرات طويلة.

السيد المسيح حكمة الآب (1كو14:1)، ينبوع الحكمة، ليس فقط يفيض علينا، بل يبعث فينا ينابيع مياه حيّة تفيض على من نلتقي بهم.

يقول "ليَ القوة"، حتى لا نحسب أن الحياة التقوية الهادئة ضعف واستكانة، بل هي تمتع بالقوة ذاته.

يعلق البابا أثناسيوس الرسولي على هذه العبارة قائلاً:

* بكونه حكمة الآب ذاته... هو نفسه المشورة الحيّ للآب وقوته وخالق كل الأشياء التي رآها الآب صالحة. هذا ما يقوله عن نفسه في الأمثال: "لي المشورة والأمان (الرأي)، لي الفهم، لي القدرة". ("لان المسيح هو قوة الله وحكمة الله ") (1كو24:1). هنا يغير التعبير فيقول :"لي الفهم" و"لي القدرة". عندما يقول: "لي المشورة" هو نفسه المشورة الحيّ للآب، كما يعلمنا النبي أيضا انه صار "ملاك المشورة العظيم" ، ودُعي المسرة الصالحة للآب[193].

البابا أثناسيوس الرسولي



رابعًا: يهب روح الملوكية والسلطة
إذ يملك السيد المسيح "الحكمة" فينا، لا يجعلنا عبيدًا بل ملوكًا، فنحمل سمته فينا، نحمل روح الملوكية التي لا تقبل العبودية لشهوةٍ ما، ولا نرتعب أمام أحداث زمنية، ولا نخاف كائنًا، بل نحمل حرية مجد أولاد الله. لنا سلطان على أفكارنا وأحاسيسنا ومشاعرنا وحواسنا كما على تصرفاتنا الظاهرة، فنسلك كأبناء ملوك سمائيين، بحكمة علوية فائقة.

"بيَ تملك الملوك،

وتقضي العظماء عدلاً.

بيَ تترأس الرؤساء والشرفاء.

كل قضاة الأرض" [15-16].

هكذا يُقيم ملك الملوك، "حكمة الله" من شعبه ملوكًا وعظماء ورؤساء وأشراف وقضاة. إنه إذ يسألهم أن يسلكوا بروح الاتضاع، إنما ليحملوا اتضاعه فيهم، فيصيروا عظماء في عيني الله، وفي أعين السماء والبشر. إنه جاء ليرد الإنسان المحطم بالخطية إلى الملوكية المجيدة!

الله في محبته للبشر ينسب نفسه للمتألمين، فيُدعى أب الأيتام وقاضي الأرامل، يبحث عن المطرودين، ويسند البائسين، ويرفع المتواضعين، ويهتم بالذين ليس لهم من يسأل عنهم. إن كان قد أقام الملوك والرؤساء والأشراف والقضاة إنما ليعملوا لحساب هؤلاء جميعًا، أقامهم لا لفضلٍ فيهم، وإنما للعمل لحساب المجتمع كله، خاصة المظلومين والمحتاجين… هكذا يليق بمن هو في موقع المسئولية أن يُدرك انه تسلمها من يد الله ليعمل لحساب المجتمع بروح الحب والاتضاع.

* الحديث الإلهي في هذا الأمر واضح ، فإن حكمة الله هكذا يتحدث: "بي يملك الملوك، ويملك العظماء الأرض". لكن لا يُفهم بذلك أنهم ملوك أشرار وغير اتقياء، بل ملوك شجعان.

القديس أغسطينوس



خامسًا: يصيرون موضوع حب السماء!
"أنا أحب الذين يحبونني،

والذين يبكرون إليّ يجدونني" [17].

إذ يقدم "الحكمة" نفسه للبشرية، معلنًا أنه المشورة والرأي والفهم والقدرة، من يقتنيه يدرك أسرار الآب، ويتعرف على إرادته، ويحمل قوة من عنده، فيحيا في هذا العالم كوكيل الله، يحمل أيقونة السماء، ويشهد لعمل الله الفائق. الآن يؤكد مبدأين خطيرين متكاملين:

المبدأ الأول هو تقديس الحرية الإنسانية، فهو لا يدفع بنفسه في حياة إنسان بغير اختياره، مؤكدًا "أنا أحب الذين يحبونني". إنه الحب كله، يفتح ذراعيه على الصليب للعالم كله، ويتسع صدره ليتكئ كل بشر عليه، لكن ليس الكل يقبله!

لنحبه فندرك أنه أحبنا أولاً!

لنرتمي على صدره، فنجده مُعدًا لنا!

لنشتاق إليه فنلمس اشتياقاته الفائقة نحونا.

حبه لنا ليس ثمرة لحبنا له، لأنه أحبنا اولاً.

بادر بالحب قبل أن نعرف؛ ونحن أعداء صالحنا مع الله أبيه.

لكن حبنا هو مفتاح معرفتنا لحبه القائم الغامر لكل البشرية.

أما المبدأ الثاني والمكمِّل للسابق فهو التزامنا بالتبكير إليه لكي نجده. ماذا يعني: "والذين يبكرون إليّ يجدونني"؟

التبكير هنا يحمل مفهوم الأولوية، فقد وضع لخلاصنا وتجديدنا أولوية خاصة، فقدم الآب ابنه الحبيب ذبيحة حب لأجلنا. وكأنه يقول: "الإنسان أولاً!" إن كان هذه هو العمل الإلهي العجيب، أفلا يليق أن نبكر إليه قائلين: "الله أولاً" في حياتنا اليومية وفي أفكارنا الداخلية، وفي سلوكنا الأسري الخ.

في كل تصرف، خفي وظاهر، ليكن الله محور تفكيرنا، نبكر إليه، فقد بكَّر إلينا، وجعلنا في قمة اهتمامه وهو خالق السماء والأرض!

لنبكر إليه فنعطيه أفضل أوقاتنا للقاء معه، فلا يكون في آخر القائمة، نتعبد له في فضلات أوقاتنا. يليق بنا أن نعطي للقائنا معه اهتمامًا خاصًا، فنجري إليه في الصباح المبكر، ونقدم له اليوم الأول من الأسبوع (الأحد)، ونفضل اللقاء معه عن أية رباطات بشرية أو مجاملات. الله فوق الكل!

لنبكر إليه فنذكر خالقنا في أيام شبابنا، مقدمين له بكور عمرنا كي يقدس العمر كله.



سادسًا: يهبنا ذاته كنزًا ومجدًا وشبعًا
"عندي الغنى والكرامة،

قنية فاخرة وحظ.

ثمري خير من الذهب ومن الإبريز،

وغلتي خير من الفضة المختارة" [18-19].

عادة يصير الحكماء أغنياء ومكرمين في أعين الناس، لكن ليس لهذا المبدأ استثناءات كثيرة.

ما يتحدث عنه سليمان الحكيم هنا ليس الغنى المادي ولا الكرامة الزمنية ولا شبع البطن، بل ما هو أعظم، التمتع بشخص السيد المسيح الذي فيه كفايتنا!

يوجد غنى ومجد وشبع يملأ كيان الحكيم، لا يستطيع العالم كله ولا قوات الظلمة ولا أحداث المستقبل أن تنتزعها منه، لأن هذا كله لن يقدر أن يفصل المؤمن الحكيم التقي عن شخص السيد المسيح الذي لنا فيه كنز ومجد وشبع. الإنسان الحكيم يردد مع القديس بولس الرسول: "من يقدر أي يفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف…؟!" (رو25:Cool.

* إن كان يجب أن نميز بين ذاك الذي يُحسب غنيًا لأن ممتلكاته كثيرة ومثقلة بالذهب مثل محفظة قذرة، وبين البار الذي وحده مملوء نعمة، لأن للنعمة تدبيرها، تلاحظ المقاييس اللائقة والجميلة في التنظيم والتوزيع[194].

القديس إكليمنضس السكندري

"في طريق العدل أتمشى، في وسط سبل الحق.

فأُورِّث محبِّيّ رزقًا، وأملأ مخازنهم" [20-21].

من هو هذا الذي يتمشى في طريق العدل ويُقيم في وسط سبل الحق إلا ابن الإنسان، ربنا يسوع المسيح، فيحملنا فيه، وننعم بما لديه؟!

* كما لو كان ابن الإنسان يتمشى وسط المنائر السبع (رؤ1). يُقال إنه في وسط الكنائس السبع، وكما قال سليمان: "في طريق العدل أتمشى"، ذاك الأزلي، ينبوع الملوكية.

الأب فيكتوريانوس

إن كان الغني يطلب أن تشبع نفسه من المقتنيات، فإن الحكيم إذ يقتني الحكمة تشبع نفسه من السلوك في طريق العدل، والتحرك وسط سُبل الحق. يجد في العدل والحق مع الحب ما يُشبع أعماقه، فتمتلئ مخازنه الداخلية من الفرح والتهليل مع السلام الفائق والصلاح.

البركات الزمنية تُقدم للبطن شبعًا مؤقتًا سرعان ما يتبعه جوع، أما البرّ الإلهي فيُقدم للمخازن الداخلية شبعًا وامتلاء، يرفعها روح الله إلى السماء رصيدًا أبديًا لحسابنا. وقد عبر داود النبي عن ذلك بصورة رائعة، إذ يقول: "بذخائرك تملأ بطونهم، يشبعون أولادًا، ويتركون فضلاتهم لأطفالهم، أما أنا فبالبر أنظر وجهك؛ أشبع إذا استيقظت بشبهك (مز14:17،15). ما يغترفه الإنسان من عطايا زمنية هو هبة من الله، لكنها هبة مؤقتة تشبع البطن، وما يتبقى منه يتركه ميراثًا لأولاده، مقدمًا لهم فضلاته الزائلة. أما من يتمشى في طريق العدل في وسط برّ السيد المسيح إنما يتشكل إنسانه الداخلة فيصير بالروح القدس أيقونة المسيح، على شبهه. هذا هو رصيده الأبدي الذي يملأ مخازنه السماوية… هذه التي لن يسلبها سارق، ولا يفسدها سوس!



3. الحكمة الأزلي
في هذا الأصحاح يتجلى شخص السيد المسيح بكل قوة، بكونه حكمة الله، الذي يدعو كل البشرية لتقتنيه وتتمتع بإمكانياته الفائقة. الآن يكشف عن ذاته أنه واحد مع الآب، خالق العالم، المهتم بخلاص خليقته التي فسدت، ويجد لذته في دعوة الخطاة إلى الخلاص.

"الرب قناني possessed Me أول طريقه من قبل (أجل) أعماله منذ القدم" [22].

ركز الأريوسيون على العبارة "الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم" [22]. ليدَّعوا أن السيد المسيح وإن كان سابقًا لكل الخليقة لكنه في نظرهم "أول الخليقة"، الذي خلقه الآب دون غيره، وقام هو بعمل الخلقة. اعتمدوا في ذلك على كلمة "قناني" ويترجمونها "خلقني". لذلك اهتم آباء الكنيسة، وعلى رأسهم البابا أثناسيوس الرسولي بتفسير هذه العبارة وربطها ببقية الفقرة كلها [22-31]. وسأحاول تقديم فكر الآباء في شيء من الإيجاز في ملحق خاص بهذا الأصحاح.

الآن اُقدم تفسيرًا مبسطًا للفقرة.

بينما أساء الأريوسيون فهم هذه العبارة وجد كثير من الآباء فيها صورة حية ورائعة لمحبة الآب الذي بالحكمة دبر خلاصنا قبل خلقتنا. فمنذ البدء دبر التجسد الإلهي، ليصير حكمة الله أو كلمته، الأقنوم الإلهي غير المنفصل عنه إنسانًا من أجل البشرية ليكون هو "أول أعماله"، أي البكر بين أخوةٍ كثيرين" (رو29:Cool؛ "البداءة، بكر من الأموات" (كو18:1). وكأنه هنا يقدم الحكمة الإلهي وعده الفائق بأن أباه الأزلي معه يخطط لخلاصنا قبل خلقتنا، وكأن تدبيره يسبق وجودنا كعلامة اهتمامه بنا وقدرته الفائقة السرمدية لتحقيق خطة حبه نحونا.

يُلاحظ في هذه الآية الآتي:

أولاً: إن كان بعض الآباء مثل القديس غريغوريوس أسقف نيصص يؤكد أن الكلمة العبرية لا تعني "خلقني" بل "اقتناني possessed Me " إلا أن البعض مثل البابا أثناسيوس الرسولي لم يمتنع عن استخدام الكلمة اليونانية وهي تعني "خلقني"، إلا أنه يؤكد أنها ليست ذات الكلمة التي استخدمت في خلقة العالم.

ثانيًا: إن سفر الأمثال سفر رمزي، فلا نلتقط كلمة منه ونفصلها عن الكتاب المقدس لنفسرها لاهوتيًا.

ثالثًا: إن كلمة "خلقني" لا تربكنا، فإن حكمة الله، الأقنوم الثاني قد صار كلمة، إذ أخذ جسدًا مخلوقًا… وقد صار بالحقيقة إنسانًا وعبدًا دون أن يتغير إذ لايزال إلهًا مباركًا إلي الأبد.

رابعًا: لا يمكن أن يكون هذا التعبير "خلقني" خاص بجوهر أقنوم الحكمة، لأنه في نفس العبارة قيل: "من أجل أعماله"، فإن كان هذا الأقنوم قد خُلق لأجل البشرية، فتكون البشرية أفضل وأهم منه. أما بكون الخلق هنا يعني التجسد وخطة الخلاص، فالمعني يختلف تمامًا إذ يكون الخلق من أجل الحب الإلهي الفائق نحو البشر.

خامسًا: لا نتعثر من القول: "أول طرقه"، فبالتجسد الإلهي احتل الأقنوم المتجسد موضع آدم، فكما بسقوط آدم فسدت الطبيعة البشرية، هكذا بنصرة آدم الجديد وبره صارت النصرة والبرّ للبشرية. هذا ما عبرّ عنه الرسول بولس، قائلاً: "كأنما بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطية إلي العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأ الجميع… لكن قد ملك الموت من آدم إلي موسى، وذلك علي الذين لم يخطئوا علي شبه تعدى آدم الذي هو مثال الآتي… إن كان بخطيةِ واحدٍ مات الكثيرون، فبالأولي كثيرًا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت لكثيرين" (رو12:5 الخ).

بهذا فقد أبونا الأول آدم مركزه كبكر، ليحتل حكمة الله المتجسد مركزه فيقودنا كبكر إلي سمواته، وننعم بشركة مجده. لقد صار الابن الوحيد الجنس الذي تسجد له الملائكة بكرًا لنا:"لأنه لمن من الملائكة قال قط: أنت ابني أنا اليوم ولدتك. وأيضًا أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا. وأيضًا متي اُدخل البكر إلي العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله" (عب5:1-7).

لقد صار بكرًا لنا وذلك بتجسده، هذا الذي تسجد له الملائكة، والذي يُدعى دون غيره الابن الوحيد، والذي قيل عنه: "كرسيك يا الله إلي دهر الدهور…" (عب8:1).

سادسًا: في نفس الفقرة تحدث سليمان الحكيم عنه: "كنت عنده صانعًا (مدبرُا)" …فكيف يكون الصانع أو الخالق وفي نفس الوقت هو صنعة أو خليقة؟ هل يخلق نفسه؟ خاصة وقد قيل عنه: "به كان كل شيء، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو3:1).

سابعُا: بقوله "من أجل أعماله"، واضح أنه لا يعني خلقة جوهره، بل تدبير التجسد الإلهي، لأن العمل يأتي بعد وجود الكائن وليس العكس. فهنا تعبير "خلقني" يشير إلي العمل لا إلي وجود جوهره. وقد استخدم الكتاب المقدس تعبير الخلقة عن العمل في مواضع كثيرة، منها:

"قلبًا نقيًا اخلقه فيّ يا الله" (مز10:51)، فالمرتل لا يطلب من الله أن يخلق فيه كائنًا جديدًا، إنما أن يعمل فيه فيجدد قلبه.

"لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة…" (أف20:2). هذا لا يعني أننا قد متنا بالجسد ثم عاد فخلقنا، لكنه جدد طبيعتنا فصارت كمن ماتت وأعاد خلقتها في المسيح يسوع .

وبمقارنة رو14:13 مع أف24:4 يظهر إننا نلبس المسيح بمعني عمله الخلاصي: "البسوا الرب يسوع " (رو14:13)، "البسوا الإنسان الجديد المخلوق علي شاكلة الله" (أف24:4).

إذ يُعرِّف الرب جوهره أنه الحكمة الابن الوحيد المولود من الآب، الأمر الذي يختلف عن الأشياء التي لها بداية ومخلوقات طبيعية، قال في محبته للإنسان: "الرب قناني أول طرقه"، وكأنه يقول: "أعد لي أبي جسدًا، وقناني للبشر لأجل خلاصهم".

لأنه كما عندما يقول يوحنا: "الكلمة صار جسدًا" (يو14:1)، لا نفهم أن الكلمة كله صار جسدًا، لكنه لبس جسدًا وصار إنسانًا. وعندما نسمع: "صار المسيح لنا لعنة لأجلنا"، "جعله خطية لأجلنا الذي لا يعرف خطية" (غلا13:3؛ 2كو21:5)، لا نفهم ببساطة أن المسيح كله صار لعنة وخطية، بل حمل اللعنة التي كانت ضدنا (كما قال الرسول: "خلصنا من اللعنة". وكما قال إشعياء: "حمل خطايانا"، وكتب بطرس: "حملها في الجسد على الخشبة" (غلا13:3؛ إش4:53؛ 1بط24:2)، هكذا إذ قيل في الأمثال: "خلقني" لا يليق بنا أن نفهم أن الكلمة كله بطبيعته مخلوق، إنما أخذ جسدًا مخلوقًا وأن الله (الآب) خلقه من أجلنا، معدًا له الجسد المخلوق، كما هو مكتوب أنه من أجلنا يمكننا فيه أن نتجدد ونتأله.

ما الذي خدعكم يا من في جهالة تدعون الخالق مخلوقًا؟[195]

البابا أثناسيوس الرسولي

* مرة أخرى فإن الحكمة ذاتها تتحدث عن سرّ الجسد المتَّخذ فتقول: "الرب خلقني". بالرغم من أن النبوة هنا عن أمور مقبلة، لكن لأن مجيء الرب سبق فتعين لم يقل "يخلقني" بل "خلقني"، حتى يؤمن البشر بأن جسد يسوع المولود من العذراء مريم حدث مرة واحدة وليس مرارًا[196].

القديس أمبروسيوس

إذ يتحدث حكمة الله عن تجسده لتحقيق خطة خلاص البشرية، يفتح طريق الخلاص ويكون البكر الذي يحمل البشرية ليدخل بها إلي أمجاده. بهذا دعي نفسه: "أنا هو الطريق" (يو14:6).

لأن المسيح لا يرغب فقط في تقديم ذاته للذين أكملوا الرحلة، بل أن يكون هو نفسه الطريق للذين يبدأون الرحلة، مصممًا أن يأخذ جسدًا. لذلك جاء تعبير: "الرب قناني بدء طرقه"، بمعنى أن الذين أرادوا أن يأتوا يلزمهم أن يبدأوا رحلتهم فيه[197].

القديس أغسطينوس

* مرة أخرى كما قال سليمان الحكيم في الأمثال: "قناني". وقال "بدء الطريق" عن الأخبار السارة التي تقودنا إلى ملكوت السموات، ليس في الجوهر والكيان مخلوقًا، بل صار "الطريق" حسب التدبير. إذ صارت الكلمتان "مصنوعًا" و"مخلوقًا" تحملان نفس المعنى. إذ صُنع طريقًا، والباب والراعي والملاك والقطيع، وأيضًا رئيس الكهنة، والرسول، أسماء أخرى تُستخدم بمعانٍ أخرى[198].

القديس باسيليوس الكبير

"منذ الأزل مُسحتُ منذ البدء منذ أوائل الأرض" [23].

"إذ لم يكن غمرٌ أُبدئتُ إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه" [24].

"من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال أُبدئت (ولدني LXX)" [25].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير سفر الأمثال 8 (نداء علي للحكمة الأزلية )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تفسير سفر الأمثال 9 (مائدة الحكمة )
» تفسير سفر الأمثال الأصحاح الرابع
» تفسير سفر الأمثال 11 (طرق البر مملوءة أماناًً )
» تفسير سفر الأمثال - الاصحاح الخامس (صوت الزانية )
»  تفسير سفر الأمثال الإصحاح السادس (التصرفات غير المسئولة )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى البروفسور : جوني حنكليس :: المنتدى الديني المسيحي :: تفاسير كتابية ( عهد قديم )-
انتقل الى: