الإيمان البسيط - 2 –
الجزء الثاني لهذا المقال كانت المناسبة منازعة شخصية بين تلاميذ المسيح حول السؤال :من منهم الأعظم ؟ و لاشك أنَّ كل واحد منهم كان يقول أنا . لكن المسيح أراد أن يلقنهم درساً في البساطة و الاتضاع . فأخذ ولداً و أقامه في وسطهم و شرح عليه الدرس , إذ وضع الحجر الأول في بناء المجتمع و أراد أن ينتبه الجميع لهذه الوديعة الغالية . و منذ أن فعل يسوع ذلك و العالم يتجه إلى الطفل و تجتمع إرادة المجتمع الدولي اليوم على ضرورة منح الطفل أفضل ما يمكن تقديمه للبشرية .
" إن لم ترجعوا و تصيروا .. " هذا الرجوع الذي اشترطه للدخول إلى ملكوت السماوات هو عملية تجديد الذهن , هو عمل نعمة الله التي تجعلنا مثل الأولاد . ليس لكونهم ينصرفون إلى اللعب و تتقلَّب آراءهم كثيراً , بل الذين يشتهون اللبن العقلي العديم الغش , الذين يسلِّمون أمورهم لتدبيرات أبيهم السماوي المحبّ . إنَّ الأطفال حينما يتنازعون سريعاً ما يتصالحون لأنَّ ذاكرتهم صغيرة كما أنَّهم لا يدققون في الرسميات و الشكليات و لا يتصارعون على المناصب , فالطفل الأمير يلعب مع الطفل الفقير دون أية حواجز , هكذا الذين يدخلون ملكوت السموات .
أما في متى ( 19 : 13 – 15 ) فهو أجمل و أرقّ روايات الأنجيل . جاءت الأمهات بأطفالهنَّ إلى يسوع ليباركهم بينما التلاميذ اتخذوا موقفاً خشناً و ظنوا أنَّه لا يبالي بالأطفال لأنَّهم لا يفهمون شيئاً . لكنَّه فتح قلبه و أحضانه لهم , و لم يعتبرهم مصدر إزعاج و تعطيل لعمله بل جعلهم مثالاً لأبناء الملكوت , و صحَّح مفاهيم التلاميذ الخاطئة .
هذه البساطة قد تناقض رجال الفلسفة و العلم . إنَّ مشكلة معظم رجال الدين أنَّ البعض يحاولون تحويل الدين إلى فلسفة فيخرج من القلب لينحصر نطاقه في العقل فقط , و هذا هو الاتجاه الذي قاومه المسيح و رسله . فإنَّ مصدر الإيمان ليس الكتب و الدراسات على الرغم من أهميتها , بل مصدره القلب المتَّضِع الواثق المُحبّ للرب و للناس , فهذه هي مواصفات الطفولة الأبدية .