كيف تحقق السعادة:fficeffice" />
لا شك في أنَّ الإنسان منذ وجوده على الأرض وحتى اليوم وهو يبحث عن السعادة. والسعادة لا تأتي إلا إذا توصَّل الإنسان لأفضل طريقة يعيش بها حياته، أو الطريقةالمثلى التي يستخدم بها ما بين يديه من وقت ومال. ولقد رسم الله طريقاً للإنسان - إذا اتبعه - جعل حياته أكثر سعادة وبهجة. فالذي يعتقد أنّ طريق الله هو طريق الحزنوالألم والهروب من الحياة وعدم مواجهتها، فقد فهم الله بطريقة خاطئة. إنَّ اللهيعلِّم الإنسان كيف يضع الشيء الصحيح في مكانه الصحيح، وكيف يتعامل مع المعطياتالحياتية التي وهبها له من طبيعة وأشياء وأموال ومواهب بالأسلوب الأمثل، لكي تتحققله السعادة الكاملة.
والمال من الأمور الحياتية المختلف عليه بشدة. فالبعض يعتقد أنَّ المال هو سرسعادة الإنسان، والآخر يظن أنه مصدر الشقاء. والإثنان يحاولان أن يجدا ما يؤيدفكرهما من الكتب المقدسة.
وبادئ ذي بدء نقول إنَّ الله ليس ضد المال، لكنه يطلب أن نضعه في المكان المناسبله، ويؤكد أنَّ سعادة الإنسان غير مرتبطة به بشكل مطلق. المسيح لا ينفي وجود المالأو أهميته، فلا بد وأن يكون لدينا مال. لكن المشكلة هي: أين نضع المال؟! فالمكانالذي نكنز فيه هو المشكلة الحقيقية.
كان تنبير المسيح على أن لا تتعلق نفس الإنسان بأشياء متغيرة يكون هو نفسه غيرقادر على حمايتها أو صيانتها; فانهيار الأمور المحبوبة أمام الإنسان أو انهياره هوأمامها ُيفقده معنى الحياة والسعادة. وكم من أناس فقدوا حياتهم أو ماتوا أدبياًلتعلقهم بأشياء تفنى. ولذلك يقول المسيح، لا تبني حياتك أو سعادتك على شيء طابعهالتغير، أو غير مضمون. ولا تبني حياتك وسعادتك على أوهام وسراب. إنَّ الأموالوالأشياء وسائل لتحقيق السعادة لكنها ليست هي المصدر الأصلي للسعادة، لأنها قابلةللفناء والانهيار. يقول المسيح: "اكنزوا لكم كنوزاً في السماء، حيث لا يفسد سوس ولاصدأ، وحيث لا ينقب السارقون ويسرقون" ﴿متى 6: 20﴾.
وهنا نجد الجانب الإيجابي، حيث يقول ضع كنزك حيث يمكنك الاحتفاظ به للأبد، وحيثمن المستحيل أن تخسره. والكنز الحقيقي الذي لا يبلى، ويحقق السعادة الدائمةللإنسان، هو معرفة الطريق الصحيح إلى الله: علاقة صحيحة مع الله وفي الله، ومعرفةالمسيح والوجود فيه. والوجود فيه يعني عطاء الذات مثله. فنحن نعيش أزمة عطاءوتضحية. نعيش حياة التقوقع على الذات والأنانية. فقد أصبح كل شيء مادياً ويقاسبالماديات. لكن متى أصبح الله كنزك، فسيبقى إلى الأبد. فليكن الله مصدر السعادةالثابت بالنسبة لك، وهو قادر أن يستخدم الأشياء المتغيرة الفانية لإسعادك. فهويستخدم المال والأبناء والصحة والمواهب، كوسائل تتحقق من خلالها السعادة. لذلك لاتخسر مصدر السعادة الذي يمكن أن تضمنه. ينبِّهنا المسيح بقوله إنَّ الشيء الذي يأخذعقلك ووقتك وجهدك سوف يأخذ قلبك وعواطفك بعد ذلك وهذه تصنع انقساماً داخلالإنسان.
المشكلة تتركز في أننا نضع الله والمال على طرفي نقيض وعلى مستوى واحد، بمعنىإما الله أو المال. وهذا هو المقياس الخاطئ. من الطبيعي أن يكون الله كل شيء، إنماهذا لا يعني أنَّ المال لا شيء. المقصود هنا: من هو الأول في حياتك؟ إذا كان المالالأول في حياتك، فعليك أن تحبه وتضع قلبك وفكرك عليه كليةً. وهذا سيحقق لك نوعاً منالسعادة المؤقتة التي تنتهي بانتهاء المال أو الحياة. أما إذا كان الله أولاً فلتضعقلبك وفكرك فيه، وتحبه بكل القلب والفكر والنفس، وهذا يحقق لك السعادة الأبدية. فهذه حقيقة لا يمكن تجاهلها.. "فإذا كانت العين بسيطة ﴿وكلمة بسيطة هنا تعني غيرمركبة أي أحادية النظرة والإتجاه﴾، فالجسد كله يكون نيراً، لأنَّ أولويته واضحة منخلال العين. وإن كانت العين شريرة ﴿ تنظر في اتجاهات متعددة﴾ فالجسد كله يكونمظلماً" ﴿متى 6: 22و23﴾، لأنه - في هذه الحالة - ينقسم على ذاته، ويحدث صراع باطنييكون من نتيجته تحطيم الإنسان من الداخل.
إنَّ العين الشريرة هي تلك التي تجلس وتنظر بشراهة لكل ما يُعرض أمامها، وتتمنىأن تحصل على كل شيء تراه وتحس بالتعاسة لأنها لم تحصل عليه. يقول المسيح: لكي تتحققسعادتك في الحياة تعلَّم الاكتفاء ودرِّب عينك على أن تكون بسيطة.
إنه من المستحيل وجود سيدين لعبد واحد. فعلى الإنسان أن يحدِّد من هو سيده: اللهأم المال؟؟ وعندما يحدِّد الهدف، يستطيع أن يسير في اتجاهه دون تقلقل أو قلق. فالإنسان الذي يرتب أولوياته جيداً، يكون قادراً على صنع سعادته.
وهكذا نرى أنَّ السعادة ليست أمراً مستحيل التحقيق، بل هي في متناول الإنسان،إذا لم يبن سعادته على شيء يعجز عن الاحتفاظ به كالمال أو المركز أو الأشخاص، بليبنيها على مصدر مأمون ومضمون، هو الله، في نفس الوقت الذي يصنع فيه مصالحة داخليةبين فكره وقلبه، ولا يتجاهل هاتين الحقيقتين: أهمية الاكتفاء، واستحالة خدمةسيدين.
أيها القارئ الكريم،
لا شك أنًّ كل إنسانٍ يبحث جاهداً للحصول على السعادة. إلاّ أنها إن لم تأتِ منداخل القلب، مبنية على محبة يسوع، فلا تكون سعادة حقة.