رقاد السيده العذراء
ماذا يقول التقليد الكنسي عن العيد ؟
لم يذكر لنا الانجيل شيئا عن رقاد والده الاله كما ان لم يسلط الضوء لنا الاضواء على تفاصيل حياتها ايضا أنما ما يذكره القديس يوحنا الدمشقي في اوائل القرن الثامن في عظته الشهيره حول رقاد السيده العذراء كاف لتثبيت التراث الشفهي الذي شاع في الكنيسه منذ قرون الاولى ونقل الينا في مخطوطات بعنوان " كتاب يوحنا اللاهوتي حول رقاد والده الاله الكليه القداسه " . وقد وجدت نسخ من هذه المخطوطات باللغات اليونانيه والسريانيه والعربيه , وكلها تعود الى اوائل القرن الرابع للميلاد . اما الدمشقي الذي اشتهر بكتاباته المريميه فاكد لنا ان المسيح بنفسه قد حضر الى مضجع والدته المحاط بالرسل الذين استقدموا بالروح من اقاصي الارض حيث كانوا يركزون ليلبسها حله عدم الفساد . التقليد الكنسي يروي لنا انه حين كان الرسل رافعين النعش الذي كانت عليه مريم مضطجعه حاملين اياه الى القبر واذ كانت الملائكه تشاركهم الترتيل من السماء تجاسر احد الماره ان يمد يديه بوقاحه على النعش وفي الحال نال من القضاء الالهي ما استوجبته وقاحته من القصاص فقطعت يده بضربه قويه ! ( على بعض الايقونات يظهر ملاك مستلا سيفا يقطع يد المتطفل )
يقول التقليد الشفوي ايضا ان الرسل بعد العنصره اخذوا يجتمعون معا بانتضام واذ اتكاوا للغداء بعد الصلاه كانوا يتركون ما بينهم موضعا خاليا ويضعون على الوساده قطعه من الخبز الذي ياكلونه يدعونها جزء الرب . واذا نهضوا بعد الغداء وصلوا وشكروا ياخذون تلك القطعه فيرفعونها قائلين " المجد لك يا الهنا المجد لك , المجد للاب والابن والروح القدس " وكانوا يرددون المسيح قام لفتره تترواح بين الفصح والصعود . اما من بعد الصعود فكانوا يهتفون " عظيم اسم الثالوث القدوس ايها الرب المسيح اعنا " وهكذا حتى افترقوا للكرازه .
ولكي يبقى هذا التقليد حيا هكذا كان يفعل كل من الرسل حيثما وجد , الى ان اجتمعوا مقبلين بالسحب ليحضروا احتضار السيده الذي لم يكن في الواقع الا انتقالا اما في اليوم الثالث من دفنها واذ الرسل مجتمعين كعادتهم وفيما هم يرفعون جزء الرب قائلين " عجيب اسم ... " توقفوا وانذهلوا ! اذ يا له من عجب مستغرب السماء فتحت وظهرت العذراء بجسمها الطاهر ملتحفه بسحابه من النور وملائكه ظهروا متسربلين بالنور محيطين بها في الجو فقالت " السلام لكم افرحوا معي مدى الايام ... " فاندهش الرسل وهتفوا قائلين عوض " ايها الرب يسوع المسيح اعنا " " يا والده الاهل الكليه القداسه اعينينا " حينئذ ذهبوا الى القبر واذ لم يجدوا جسدها تيقنوا من حقيقه قيامتها من بين الاموات حيه بجسدها نظير ابنها منطلقه الى السماوات .
قد يتخيل للبعض ان هذه الروايه خياليه بعيده كل عن الحقيقه والموضوعيه ولكن من يقرا الانجيل بايمان ويعجب باياته لا يستغرب تقليدا كهذا بل هو تتمه منطقيه لحياه الكليه القداسه وتتويج طبيعي لحياه طاهره كحياه مريم التي اتخذ السيد جسدا من جسدها . اليس هو القائل " من امن بي وان مات فسيحيا " فكيف بالحرى من جسدت الايمان بشخصها وحوت باحشائها سيد العالم وخالقه ؟....
القديس يوحنا الدمشقي يهتف بلغه الايمان في عظته الشهيره حول رقاد مريم :" اليوم تعبر من الارض الى السماء تلك السلم التي نزل عليها العلي ( وهنا يشير الى سلم يعقوب في حلمه كما ورد في كتاب التكوين )..." هذا القبر اقدس من قدس الاقداس حيث لا حوى لا الظلال والرموز بل الحقيقه عينها ... ارفع نظرك يا شعب الله وشاهد خيمه اله الصباووت في الجثمانيه وقد حضر الرسل اليها ودفنوا الجسد مبدا الحياه الذي كان قد حوى ابن الله ..."
ايقونه رقاد والده الاله او انتقالها
" ايها الرسل اجتمعوا من الاقطار الى هنا في قريه الجسمانيه واضجعوا جسدي وانت تقبل روحي يا ابني واهي " هذه الترتيله صوره عن الخطوط العريضه التي اتبعها رسامو الايقونات لرسم ايقونه الرقاد . هناك في دير القديسه كاترينا في صحراء سيناء (25سم*38سم) رائعه من حيث الفن التصويري يعود تاليفها الى القرن الثاني عشر , واضحه جدا في تصميمها الذي لا يتغير في كافه انحاء البلدان الارثوذكسيه . وكلنا نعلم ان لايقونات هذا الدير قيمه منفرده اذ لم تتاثر بموجه الفتك بالابقونات التي سادت في القرن الثامن . المشهد هو نفسه في كل الايقونات التي تودي معنى الانتقال : العذراء مريم منطرحه على الفراش الموت جسدها منطو افقيا وكانه يكاد ينقلب لتوازنه غير الثابت ...
وهذا يفسر بسبب عدم وجود العمق في فن الايقونات , كل شئ يرسم سطحيا اذ لا وجود لبعد ثالث كما في اللوحات العاديه فجسد مريم منحن عاكف على الناظر بكثير من الرقه اما المسيح فهو منتصب في وسط الايقونه جسده في اكثر الاحيان محاط بهاله بهيه من النور الازلي يحمل مريم في يديه مقمطه بلفائف كطفل صغير وكانها تولد من السماء على يدي ولدها وسيدها . من ينظر الى الايقونه من بعيد يتراءى له الخطان اللذان يؤلفان مريم ويسوع وكانهما خطا صليب السيد :فالصليب منصب ابدا في حياه الكنيسه . اما الرسل فيحطون بجسد مريم بشكل نصف دائره نلمح بوضوح اربعه منهم : " بطرس منحن فوق راس مريم وعلائم الحزن والتامل ظاره على وجهه , بولس منعكفا عند قدميها منذهل , يوحنا التلميذ الحبيب يقبل نعشها بحزن عميق , واما اندراوس فهو واقف وؤاء بطرس " يوجد عاده اساقفه في اللوحه يتميزون بلباسهم الكنسي . ام الملائكه فيشتركون بفرح بهذا المشهد الحزين فيضفون عليه علائم السموات .
اما روسيا في القرون الوسطى عندما كانت مدينه كييف عاصمتها فكانت تعتبر عيد رقاد السيده عيدا وطنيا وتضع نفسها تحت شفاعه العذراء مريم وحمايتها ازاء الغزوات الخارجيه ولذلك اشتهر الفن الروسي في اداء لوحات رقاد العذراء كما تميزت مدينه نوفغورود برساميها فكان التاليف نيرا ساطعا .
معنى العيد
يوضح لنا الاب جيله في كتابه عن دوره السنه الطقسيه ان نشاه هذا العيد غامضه في العالم المسيحي ففي فلسطين كان يقام العيد في 15اب ما قبل القرن السادس اما في مصر فكان يقام في 18كانون الثاني وقد انتقل هذا التاريخ من مصر الى بلاد غاليه في القرن الرابع اما في القرن السابع فقد ثبت الامبراطور البيزنطي موريس تاريخ 15اب بطريقه نهائيه . انه من اهم الاعياد الكنسيه وتحضر الكنيسه المومنين له بصوم يدوم اربعه عشر يوما , وهو من اهم الاعياد السيديه . القراءات التي تتلى فيه هي نفسها التي تتلى في ميلاد السيده ولا تنوه قطعا عن رقاد السيده .
اما المعنى الروحي للعيد فيتجلى في تراتيل صلاه الغروب والسحريه ولكن في الواقه هناك عده معان من الصلوات المختصه بالرقاد:-
المعنى الاول : " ان ينبوع الحياه الحيه قد وضعت في قبر – واصبح ضريحها سلم السماء " يشير اول شطر من العباره ان الكنيسه تعيد ذكر رقاد والده الاله بالجسد وانتقال نفسها الى السموات : " ان القوات الملائكيه انذهلوا لما شاهدوا سيدهم ضابطا نفسا انسانيه " مع العلم اننا لا نعلم يقينا لا متى ولا اين توفيت مريم . المعلومات كلها ابو كريفيه . يوجد منذ القدم تقليدان حسب الاول تكون مريم قد توفيت في اورشليم ودفنت في الجثمانيه واما التقليد الثاني فيقول انها ماتت في مدينه افسس . ولكن هذا العيد يتجاوز في معناه الرقاد الجسدي فالقسم الثاني من العباره يسلط الاضواء على معنى روحي اعمق : ضريحها يصبح سلما للسموات , " افتحوا الابواب .. استعدوا لاستقبال ام النور الذي لا يغرب .. لان في هذا اليوم تفتح السماء حشاها لتستقبلها ".
المعنى الثاني : العيد ليس فقط احتفالا بولاده مريم في السماء كما تشير اليه الايقونه بل عيد انتقال مريم بالجسد الى المساء كما تشير اليه الايقونه بل عيد انتقال مريم بالجسد الى السماء والنصوص التي تشير الى ذلك عديده في طقوسنا " ان والده الاله التي لا تغفل في الشفاعات ... لم يضبطها قبر ولا موت " ... " لانك انتقلت الى الحياه بما انك ام الحياه " ... وبالتالي جسد مريم الكلي الطهر لم يعرف الفساد الناتج عن الموت وتفككه بل نقل بواسطه الملائكه الى السماء .
اما الكنيسه فلم تفرض هذا التعليم على المومنين كعقيده ولكن ضمير الكنيسه الحي عبر الاجيال يعتبر نفي انتقال السيده الى السماء كتجديف اكيد . مريم هي تلك المخلوقه المنفرده في النقاوه والطهاره الجليله في سر صمتها , المتساميه في عمق الامها , التي تجاوزت حدود الطبيعه وطارت الى اقرب حد يستطيع ان يصل اليه انسان فتعالت عن الملائكه وتألهت بتواضعها ولذلك مجدها ابنها بجسدها ونقله اليه . وهكذا تعيد الكنيسه بمريم اول قيامه قبل القيامه العامه .
المعنى الثالث : " الموت صار عربونا للحياه ... " العيد هو عيد كل الطبيعه الانسانبه لان مريم توصلت الجبله الترابيه النتنه الى هدفها الاسمى وسمح لها بالرجاء ... رقاد العذراء يمثل لنا المجد الذي يمكن ان نصير اليه اذا ما اثمرت النعمه فينا بفعل الروح القدس . ومهما يكن من شان الحدث التاريخي فالمهم بالنسبه الينا ان الكنيسه تركز في قراءاتها على المعنى الروحي للحدث الروحي وقد اوجزه لنا بولس الرسول في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس : " كما لبسنا صوره الترابي سنلبس ايضا صوره السماوي ... اذا نحن ايضا سنتغير " ( 1كورنثوي 49:15 و52) . لا شك ان لمريم وضعا خاصا وامتيازات خاصه ولكن لنا شفيعه اذا لم تهملنا برقادها ممهده لنا الطريق الى السماء واضعه نصب اعيننا امكانات الطبيعه الانسانيه الكامنه في طياتها المنتظره ندى الروح القدس لكي تنفتح وتتدفق حياه وقداسه .
المصدر :مجله صوت الكنيسه