شهد العالم منذ بداية العصور معارك وحروباً أدت الى دمار شعوب وازدهار غيرها، سقوط أمبراطوريات وقيام أخرى. كل ذلك كان نتيجة قرارات قادة عسكريين حملهم طموحهم الى عبور الأقطار الأربعة وخوض أصعب المعارك التي أدت في حالات عدّة الى تغيير الخارطة الجغرافية والتاريخية. الكلام عن القادة العسكريين عبر التاريخ أكبر من أن تسعه وريقات قليلة، لذا سنكتفي بعرض عدد من الأسماء اللامعة مع أهم المحطات البارزة في حياتهم العسكرية.
بطرس الأكبر (1672-1725)
بطرس الأكبر القائد العسكري والقيصر الأكثر تأثيراً في تاريخ روسيا. انتشل بلاده في بداية القرن الثامن عشر من حالة التخلّف والركود ليرتقي بها الى مستوى أهم القوى العظمى في العالم. مزج بطرس الأكبر في سياسته ما بين الأفكار الغربية والتقليد الروسي، فتمكّن بذلك من النهوض ببلاده وخلق جيش قوي وقوات بحرية يعتد بها. ولد بطرس الأكبر في موسكو في حزيران 1672، وكان إبناً للقيصر الروسي ألكسيس وزوجته الثانية ناتاليا. بعد وفاة والده استلم الحكم وهو لم يزل في السابعة عشرة من عمره، وذلك بعد صراع سياسي وعسكري مع أخوته وأخواته غير الأشقاء.
في العام 1696، شن بطرس، وهو لا يزال في الرابعة والعشرين من عمره، هجوماً عنيفاً ضد الأتراك في آزوف فانتصر عليهم وأمّن بذلك معبراً لروسيا الى البحر الأسود.
لم يكتـف القائد الطموح بالنجاح العسكري الذي حققه، إذ كان يتطلّع الى هدف أسمى ألا وهو إنقاذ بلاده من حالة التخلّف الحضـاري والعلمي، والإرتقاء بها الى مستـوى باقي الدول الأوروبية التي كانت قد سبقتهـا الى الإصلاح والنهضـة منذ أكثر من قرن.
لتحقيق غايته، سافر بطرس الى أوروبا واطلع على كيفية بناء السفن وإنشاء الترسانات الحربية في كل من هولندا وإنكلترا، وعاد الى روسيا بمستشارين في المجالات العسكرية والتعليمية وإدارة الأعمال. ثم شرع بتنفيذ مخططه الإصلاحي، ومن ضمن ما حققه، إنشاء أكاديمية للعلوم، وإطلاق أول صحيفة في روسيا، إضافة الى تبسيط الأبجدية الروسية، وإدخـال الأرقـام العربية الى البلاد. الى جانب النهضة الحضارية، عمل على بناء جيـش قوي، وأطلـق حملة لصناعة السفـن أسفرت عن إنتاج خمسين سفينـة حربيـة وسبعمئة مركـب دعم. وتمكـن بفضـل أسطولـه البحري من السيطرة على البلطيـق ومنافسـة القـوات الأوروبيـة للسيطـرة على الأطلسي.
وعمد بطرس الأكبر الى زيادة عديد جيشه، فكان أن فرض نظاماً خاصاً للتجنيد الإجباري، يُلزم كل عشرين أسرة بتجنيد شاب لخدمة العلم، فارتفع بذلك عديده الى ربع مليون عسكري. كان القائد الروسي يقضي معظم أوقاته على الجبهة، وقد اشتهر بوقوفه الى جانب جنوده في ساحة المعركة، وعُرف عنه سماحه للضباط المحترفين باستلام القيادة في الميدان كلما دعت الحاجة لذلك.
أعلن الحرب على السويد عام 1700 مما أدى الى الحرب الشمالية الكبيرة التي دامت إحدى وعشرين سنة حقق خلالها الجيش الروسي انتصارات عدة، الى أن طالبت السويد بمعاهدة سلام عام 1721 مقابل منح روسيــا كل من استونيا وليفونيا وساحل البلطيق شمالاً حتى فايبورغ. توفي بطرس الأكبر عام 1725 عن 53 عاماً بتأثير حمى شديدة كان قد أصيب بها أثناء سعيه لانقاذ عدد من جنوده من الغرق في نهر جليدي في فنلندا.
طوال حياته سعى القيصر الروسي لبناء روسيا القوية وقد نجح في مسعاه، إذ استمرت بلاده في تصدر زعامة الدول الأوروبية لمدة قرنين بعد وفاته. ويؤكد الخبراء أنه لولا الإصلاحات التي قام بها بطرس الأكبر لما كانت روسيا لتجد مكانها كند لبريطانيا وفرنسا وبروسيا، ولم يكن الإتحاد السوفياتي لينشأ كقوة عظمى تمكنت من التأثير على سير الحرب العالمية الثانية، ونافست في ما بعد الولايات المتحدة على زعامة العالم خلال الحرب الباردة.
جنكيزخان الفاتح المغولي (1162-(1227
جنكيزخان مؤسس الدولة المغولية، نال شهرة واسعة كأحد أبرز القادة العسكريين قاطبة. ولد جنكيزخـان على ضفاف نهر أونـون بين قبائـل المغول في عائلة قوية النفوذ، وحمل اسم تيموجين. في الثالثـة عشـرة من عمره قُتل والـده في صراع قبلي ونُفيت العائلة خارج القبيـلة. وازداد الأمر سوءاً حين عاودت إحدى القبائل هجومها فأسرت تيموجين وأحاطت عنقه بحبل غليظ لمنعه من الهرب، إلا أن الشاب المراهق تمكن من تحرير نفسه ليشتهر بين أبناء جيله بالمقاتل الشجاع. منذ مطلع شبابه، عمل تيموجين على جمع القبائل المغولية معتمداً الحروب والزواج والوعود بالمغانم، ومع بلوغه الخامسة والعشرين كان قد وحّد جميع القبائل المغولية تحت راية واحدة، وفي العام 1206 شرع بفتوحاته الكبيرة بعد أن أعلن نفسه "جنكيزخان" أي الإمبراطور. أنشأ جنكيزخان جيشاً قوياً ونظّمه على التدرج العشري، فكانت وحدة الميدان تتألف من عشرة آلاف فارس، والوحدة التكتية قوامها ألف فارس. وهناك الكوكبة وعديدها مئة محارب، ثم الجماعة وقوامها عشرة محاربين. وكانت جميع هذه الوحدات معززة بالخيول والأسلحة الفردية. اعتمد جنكيزخان في إنشاء جيشه مذهب الشعب المسلّح فسبق بذلك أوروبا ستة قرون، كما اعتمد خطة الحرب الصاعقة ليسبق بذلك الألمان بثمانية قرون. بالإضافة الى جيشه الجبار، كان للفاتح المغولي حرسه الإمبراطـــوري المؤلف من احتياطه العام. كما أوجد مصلحة عامة للاستخبارات، وأنشأ طابوراً خامساً في الدول المجاورة، معتمداً في ذلك على الهدايا والوعود والزواج. في العام 1211 شن جنكيزخان حملته الكبيرة على الصين، فأسقط أسوار بكين العظيمة، ثم تابع زحفه حتى كوريا. وفي العام 1218 قام بغزو تركستان الشرقية مدمراً بذلك امبراطورية "قره خيتاي". أما حملته الكبيرة فكانت على امبراطورية الخوازميين التي كانت حدودها تمتد حتى نهر الهندوس والمحيط الهندي وبحر الخزر وبلاد ما بين النهرين، فاجتاحها بعد حروب طويلة وعنيفة فقد فيها أكثر من نصف رجاله.
في العام 1227 مات جنيكزخان بعد أن حقق بفضل أساليبه العسكرية الذكية أوسع امبراطورية عرفها العالم، اذ امتدت فتوحاته في اقل من ثلاثين عاماً من المحيط الهادئ الى نهر الدنييستر، ومن سيبيريا حتى سهول الهند. أما الصين ودوقيات أوروبا، فقد أرغم حكامها على دفع الضرائب له، حتى أن البابا ولويس التاسع الفرنسي أرسلا اليه البعثات الديبلوماسية لاسترضائه. بنى جنكيزخان امبراطوريته على أسس دينية تقر بإله واحد، وأبقى تسلسل الطبقات حيث كان في القمة عائلة جنكيزخان التي تستولي بنفسها على البلاد المحتلة، تليها طبقة النبلاء، فطبقة الرجال الأحرار أو المحاربين، ثم طبقة العبيد وهم من غير المغول. كما أبقى على التنظيم العشائري، لكنه كان يحتفظ لنفسه بصلاحية تنظيم العلاقات بين الطبقات والعشائر وتحديدها.
سيمون بوليفار (1783-1830)
قائد ثوري وسياسي من فنزويلا تدين له جمهوريات في أميركا اللاتينية باستقلالها عن الحكم الاسباني. ولد سيمون بوليفار في كاراكاس في 24 تموز 1783. تأثر خلال دراسته بالفلسفة ودرس بشكل خاص جان جاك روسو الذي ترك أثراً عميقاً في شخصيته. سافر بوليفار في مطلع شبابه الى فرنسا حيث التقى بالعالم الألماني اسكندر هومبولت الذي نقل له اعتقاده بأن المستعمرات الاسبانية في حالة استعداد للتحرر، فراقت الفكرة لبوليفار وأخذ يمعن النظر في تحرير بلاده.
في العام 1807، عاد بوليفار الى فنزويلا حيث اشترك في اجتماعات وطنية عدة للتآمر على السلطات الاسبانية التي كانت تحكم بلاده. واستطاع في 19 نيسان 1810 الإطاحة بالحاكم الاسباني فنسينت دي امبران وإقامة حكم عسكري.
في العام 1811 أعلن المجلس الوطني استقلال فنزويلا فانخرط بوليفار في الجيش تحت قيادة فرانسيسكو ميراندا وأصبح عقيداً ثم عميداً. إلا أن اسبانيا لم تعتبر نفسها مهزومة فقامت بهجوم مضاد على فنزويلا مما دفع ميراندا الى توقيع الهدنة معها عام 1812، وغادر بوليفار الى كارتاجينا في غرناطة الجديدة التي اصبحت في ما بعد كولومبيا. ومن هناك أكد أن انقسام شعب فنزويلا هو الذي أعادها الى العبودية، فتجاوب معه شعب غرناطة وتم تعيينه قائداً لحملة هدفها تحرير فنزويلا. في العام 1813 اشتبك مع الاسبان في ست معارك ودخل منتصراً الى كاراكاس بصفته منقذاً للبلاد. وحصل من جراء ذلك على لقب "المحرر" واستولى على الحكم، إلا أنه أسس حكماً ديكتاتورياً قوياً وأنزل أحكاماً قاسية بمعارضيه ما أدى الى اندلاع حرب أهلية، فاستغلت اسبانيا الوضع واعادت احتلال كاراكاس، في حين غادر بوليفار فنزويلا والتجأ الى كارتاجينا.
واصل بوليفار ثورته وأقام اتصالات مع ثوار السهول الذين انضموا اليه، وفي ربيع 1819 قاد حملة لضرب القوات الاسبانية في غرناطة الجديدة. ويعتبر هذا الهجوم من أكثر الحملات جرأة في تاريخ الحملات العسكرية إذ قام به جيش صغير (2500 رجل) سلكوا طريقاً صغيراً في جو ممطر، وقطعوا بحيرات وجبالاً، كان الاسبان يعتبرون المرور فيها متعذراً وحتى مستحيلاً.
بعد استسلام القوات الملكية لبوليفار، تم اعلان جمهورية كولومبيا الكبرى وانتخابه رئيساً ودكتاتوراً عسكرياً. لكن هذه الدولة الفدرالية التي ضمت فنزويلا وكيتو (الاكوادور) وغرناطة الجديدة، كانت حبراً على ورق، لأن فنزويلا وكيتو كانتا لا تزالان تحت سيطرة اسبانيا. وشعر بوليفار ان الثورة في اميركا الجنوبية اصبحت حتمية، فعاد لمجابهة القوات الملكية وحرر كاراكاس في حزيران 1821، والاكوادور في ايار 1822. وبذلك تم تحرير جمهورية كولومبيا بأسرها. ولم يبق بأيدي المستعمرين سوى البيرو التي تمكن بوليفار من تحريرها في كانون الأول 1924 باستثناء القسم الأعلى منها الذي حرره مساعده بعد عام فقط. واتخذت هذه المنطقة اسم بوليفيا تيمناً ببوليفار.
في العام 1826 اقام القائد المنتصر حلفاً يضم دول اميركا الاسبانية. ووُقعت اثر ذلك معاهدات بين كولومبيا والبيرو واميركا الوسطى والمكسيك التي اتخذت قراراً في ما بينها بإنشاء جيش واسطول مشتركين، وتعهدت بأن تحل جميع مشاكلها بالتحكيم.
في مطلع العام 1827، دبّ الخلاف بين غرناطة الجديدة وفنزويلا فأصلح بوليفار الوضع، إلا أن الأخيرة ما لبثت ان انفصلت عن كولومبيا في شتاء 1829، فأصيب بوليفار باليأس وغادر البلاد بناءً على دعوة أحد الإسبان المعجبين به.
ومن المفارقات العجيبة أن ينهي حياته في بيت اسباني في كانون الثاني عام 1830. يعتبر بوليفار من اشهر رجالات أميركا الجنوبية السياسيين والثوريين العسكريين في القرن التاسع عشر، إن لم يكن اشهرهم على الاطلاق.
الإسكندر المقدوني (356-323 ق. م.)
اسمه باليونانية الكسندروس. كان يتمتع بذكاء خارق وحيوية نادرة. تتلمذ على يد أرسطو عام 343 ق. م. ولكن لم يأخذ عنه أفكاره السياسية. تعلّم فنون الحرب خلال المعارك وأخذ مكان أبيه فيليب الثاني اوليمبياس، عام 336 ق. م. لم يخسر قط معركة خلال إحدى عشرة سنة قتال ضد قوات تفوقه عدداً. خاض عدة معارك منتصراً، ومارس خلال ذلك القسوة والتسامح في آن. وعندما استقر حكمه بدأ يفكر بحملة آسيا التي طالما خطط أبوه لها. انطلق في ربيع 334 ق. م. وغدا سيداً على آسيا الصغرى بعد الإنتصار على أول جيش فارسي. تابع تقدمه وحرر المدن اليونانية من الحكم الفارسي، ملحقاً هزائم ساحقة بخصومه والجيوش الفارسية.
طالب الاسكندر الأكبر الفرس بالخضوع الكامل. وتابع خطته لتطويق شرق البحر الأبيض المتوسط واخضع الساحل السوري كلّه. وبعد احتلال القدس دخل الاسكندر المقدوني الى مصر التي كان الفرس قد اخضعوها لحكمهم منذ عام 343 ق. م. واستطاع الاسكندر اكتساب السكان باحترام معابدهم وطقوسهم الدينية. بنى مدينة الاسكندرية على الطرف الغربي للدلتا. احتل الشاطئ كلّه واجتاز دجلة والفرات، ودارت معركة خيالية في اربيليس أنهت مقاومة الفرس نهائياً. أصعـب ما واجه الاسكندر، كان اخضاع المقاطعات الشرقية نظراً لأن سكانها كانوا من الشعوب الصلبـة الجبلية المحاربة التي دافعت عن أرضهـا. فوسّع حجـم قوته وأدخـل تعديلات على حياته فأصبح الملك الأعلى الذي يجسد نصف الإله. وأحاط نفسه بأسطـورة ذات تقاليد وطقـوس شبه دينية وكان على الجميع أن يركعوا أمامه وإلا أُعدموا. اندلعت ضد الاسكندر انتفاضات كثيرة ولكنها لم تمنعه من متابعة التقدم. فبنى على طريقه مدناً استراتيجية رائعة. وواصل تقدمه وهو يقاتل حتى وصل شواطئ نهر بياس. وعندما أراد التقدم أبعد من ذلك، أوشك جنوده على التمرّد فاضطر الى التوقف وعاد أدراجه حتى وصل الى المحيط الهندي حيث أراد بناء ترسانة بحرية. وبعد مسيرة مضنية في صحارى إيران، وصل الجيش الى سوس في شابط 324 ق. م. حيث أقيمت احتفالات كبيرة بانتهاء الحملة. ولم يوقف الاسكندر المقدوني بعد ذلك نشاطه، فقد أقام بلاطه في بابل وأخذ في تصميم مشروعات جديدة كاحتلال شبه جزيرة العرب، وبناء أسطول... الخ. ولكنه توفي فجأة بالحمى في 13 حزيران (يونيو) 323 ق. م. وهو سيّد العالم الشرقي وعمره 33 عاماً. لم يكتف بالاسكندر باخضاع امبراطورية، بل حاول تنظيمها وإعطاءها بعض الملامح الحضارية. ساد في هذه الامبراطورية مبدأ التعاون بين اليونانيين والشرقيين. وتعتبر سياسة الاسكندر الاقتصادية الخاصة بزيادة المبادلات التجارية، والتثبيت النقدي وتوحيد الانواع المتداولة، واحدة من أهم نجاحاته. وترجع انتصارات الاسكندر المقدوني العسكرية الى كفاءاته القيادية العالية، ومهارة قادته وارتفاع مستوى قطعاته التنظيمي والانضباطي والتسليحي والتكتيكي، بشكل جعلها قادرة على الحركة ودخول المعركة بسرعة والإنتصار على قوات معادية تفوقها عدداً.
هنيبعل (247 ق. م.- 183 ق. م.)
هنيبعل، القائد القرطاجي العظيم، و˜أب الستراتيجية العسكريةŒ، اشتهر بخططه الحربية المبتكرة، وبرز بشكل خاص حين قاد جيشه عبر جبال الألب في معركة ضد روما تعتبر من أبرز الأعمال البطولية في التاريخ العسكري القديم. ولد هنيبعـل في مدينة قرطاجة (التونسية) حوالى سنة 247ق. م. تتلمذ على يد والده هميلقار برقه الذي كان من القادة العسكريين. وقد رافقه في سن المراهقة الى اسبانيا اثناء الحرب القرطاجية الأولى على الامبراطورية الرومانية. ولما انتهت الحرب بالفشل، اقسم هنيبعل لوالده بالانتقام وتكريس حياته لمحاربة روما والتغلّب عليها.
في العام 221 ق. م. تمكن هنيبعل من الإيفاء بقسمه بعد أن استلم، وهو في منتصف العشرينات، قيادة القوات القرطاجية المتواجدة في شبه الجزيرة القوقازية، وقد استطاع خلال سنتين اخضاع اسبانيا بمجملها، خارقاً المعاهدات المعقودة مع روما، ما حدا بالاخيرة الى مطالبة قرطاجة بتسليمها اياه، وعندما رفضت المدينة طلبها، اعلنت الحرب ضدها سنة 218. ق. م. فبدأت بذلك الحرب القرطاجية الثانية. لم يضيّع هنيبعل الوقت بانتظار ان تقوم روما بالخطوة الاولى في المعركة، وإنما جهّـز جيشه وانطـلق في ايلول من العام 219 ق. م. على رأس خمسين ألف جندي وأربعين من الفيلـة لاجتياز جبال الألب. وبالرغم من خسارة عدد من رجاله بسبب سوء المناخ ومهاجمة القبائل العدائية، تمكن هنيبعل من التغلب على الرومان في معركتين واحتلال شمالي إيطاليا.
واصل القائد القرطاجي زحفه جنوباً فتغلب عام 217 على الحاكم الروماني غايوس غلامينوس على بحيرة تراسيمانو، وبعد عام واحد هاجم الرومان على نهر اوفيدوس حيث تغلّب عليهم وكبّدهم خسارة ما يزيد عن خمسين ألف جندي. أراد هنيبعل مواصلة زحفه باتجاه روما ونابلس، إلا أن قرطاجة لم تمده بالتعزيزات اللازمة. فلجأ الى طلب المساعدة من أخيه هاسدروبال وهو احد القادة العسكريين في اسبانيا، إلا ان روما كانت اسرع في الوصول اليه فقتلته وارسلت رأسه الى هنيبعل علامة للنصر.
لم يوقف هنيبعل القتال ضد روما حتى العام 204ق. م. حين هاجم الروماني سكيبو افريقانوس قرطاجة، فاضطر القائد القرطاجي الى العودة ومواجهته، لكن الروماني هزمه في معركة زاما في 21 آذار من العام نفسه.
في العام 201 ق. م. وقعت قرطاجة وروما معاهدة سلام، وطالبت الاخيرة بنفي هنيبعل فاستجيب طلبها وتم ارساله الى سوريا حيث حاول القيام بانقلاب ضد الرومان فلم يفلح.
في العام 183 ق. م. انتحر هنيبعل بواسطة السم اثر سعي روما لأسره بعد حربه الطويلة ضدها التي استمرت خمسة عشر عاماً. الجدير ذكره أنه بالرغم من كره الرومـان لهنيبعل، فإنهم احترموا فيه ذكاءه ومهارتـه في القتال وقيادته الحكيمة، وقد جـاء في كتابات رومانية أن هنيبعل كان قائـداً باسلاً، شارك رجاله الصعوبات والمخاطر، ولم يكن يطلب من الآخرين أن يقوموا بعمل لم يكن ليقم به بنفسه.
المراجع
-
www.encarta.com -
www.carpenoctem.tv - الموسوعة العسكرية المؤسسة العربية للدراسات والنشر.