اصل المذنبات
يتضح من وفرة العناصر الداخلية في تركيب المذنبات أنها تتكون من مزيج من المواد مشابه لما في الشمس . ويبدو أن الهيدروجين ومركباته أهم العناصر بجانب بعض العناصر الخفيفة الأخرى. ولما كانت معظم المذنبات تسلك في حركتها مدرات اهليجية ، لذا فإنها تمضي غالبية عمرها سابحة في الفضاء البعيد عن الشمس . ويمكن للمذنبات أن تقترب من الأرض في حال حدوث اضطرابا في مداراتها مما يجعلها تغير مداراتها . كما أن للمذنبات اتجاهات مختلفة في مداراتها ، ولها أيضا زوايا ميل مختلفة.
كل الحقائق السابقة الذكر تدل على المذنبات نشأت منذ القدم في المجموعة الشمسية على أبعاد كبيرة من الشمس. على أن هناك رأي آخر مفاده أن المذنبات قد تكون نتجت من انفجار نجوم تبعد عن المجموعة الشمسية عدة آلاف من السنين الضوئية منتشرة في جميع الاتجاهات ، حيث تلقت مجموعتنا الشمسية جزء منها بشكل وابل من المذنبات والغبار والأتربة وبعض منها أصاب الأرض وغطاها بمسحوق ناعم من ذلك الغبار حيث تشير الدراسات إلى ان الأرض قد أسرت خلال بلايين السنين جزءا من الغبار الكوني وبقايا المذنبات المتولدة عن عن انفجار النجوم البعيدة . غير ان المذنبات – بشكل عام – كانت تخضع لجاذبية الشمس والكواكب ، فبعضها اسرته كواكب عملاقه ، مثل المشتري. ومما يدعم الراي السابق هو ان بعض المذنبات تخرج من المجموعه الشمسية لمسافات هائلة حتى تقارب المجموعه الشمسية الاخرى.
ويعود سبب وجهات الدوران العشوائية لمعظم المذنبات الى الظروف الخارجية للغازات الشمسية الاولى ( البدائية ) والسحب الترابية – أي الاجزاء الخارجية من السدم الاولى - . وعدم انتظام حركات المذنبات سببة مصادمة مذنب لاخر في الفضاء البعيد ، مما قد ينجم عنه ايضا تلك الوجهات العشوائية.
وطبقا لما تقدم فان المذنبات توجد بأعداد هائلة جدا ( ملايين أو حتى بلايين ) على مسافات اكبر بمئات وربما آلاف المرات من بعد بلوتو عن الشمس . وما المذنبات التي ترى سوى أمثله فقط عن ذلك العدد الهائل . وتعود رؤية تلك المذنبات الى اقترابها من الشمس بسبب اضطرابات تحدث في مداراتها تجعلها تقترب من الشمس في ذلك الفضاء المظلم البعيد.
وكما هو معروف فانه في الاعماق السحقية من الفضاء بين الكواكب – يوجد العديد من الأجسام التي لبعض منها تركيب صخري وللبعض الاخر تركيب معدني والبعض جليدي التركيب ، او مكون بشك جزئي من جزيئات عضوية . وهي تتراوح في احجامها بين ذرات الغبار الة قطع غير منتظمة اتساعها يقارب من مساحة دولة نيكاراغوا. وفي بعض الاحيان – وبالصدفة – يمر كوكب من الكواكب في مسارها – أي يعبر مسارها كوكب ما – مما ينجم عن ذلك اصطدامها به – كما في حادثة تنجوسكا في سيبيريا عام 1908.
لقد كان الفلكيون الرواد في القرنين السادس عشر والسابع عشر مغرمين جدا بالمذنبات ، حتى ان نيوتن كان متاثرا بهم واصابه ما اصابهم من الهيام بالمذنبات. ولقد وصف ( كبلر ) المذنبات اثناء اندفاعها عبر الفضاء كانها اسماك في البحار ، لكنها تبدد اشعة الشمس ، لان الذيل الذنبي دائما يتوجه بعيدا عن الشمس . ايضا فان ( دافيد هيوم David Hume وهو احد المفكرين الشاذين عقليا في حالات عديدة كان يقول ان المذنبات هي خلايا تناسلية – مثل البيض او السائل المنوي – في المنظومة الشمسية ، بحيث تنتج الكواكب عن نوع من التزاوج الجنسي بين النجوم.
لقد امضى نيوتن خلال سنوات دراسته الأولى – قبل اختراعه التلسكوب العاكس – العديد من الليالي دون نوم باحثا مترصدا المذنبات في السماء بعينة الثاقبة ، متعقبا إياها بحماس شديد اودى به احهادة الى الاعياء والمرض . وتبع نيوتن من ملاحظاته المتكررة ان امذنبات المشاهدة من الارض لا تتحرك ضمن الغلاف الجوي الارضي ، كما كان يعتقد سابقا ارسطو وطاليس واخرون ، لكنه كان يرجح ان المذنبات ابعد من القمر واقرب من زحل . والمذنبات – حسب وجهه نظر نيوتن – تشع مثل الكواكب نتيجة عكسها لضوء الشمس ، كما ان المذنبات تتحرك مثل الكواكب في مدارات قطع ناقص ( اهليجيا ). ونظر إليها على أساس أنها نوع من الكواكب تدور في مدارات متمركزة حول الشمس.
وقد لاحظ (نيوتن) وسجل فعلا تبدد مادة أذناب المذنبات في الفضاء بين الكواكب ، وبعد ضياعها التدريجي تنجذب بفعل الجاذبية الكونية ( ومنها الأرض) وتجعلها تسقط عليها. وكان نيوتن يعتقد أن الماء على الأرض يتناقص تدريجيا بسبب الزراعة والتعفن والتحلل ، وان الأرض سوف تصبح جافة ، فالسؤال إذا لم يوجد منبع يغذيها فإنها في حالة تناقص مستمر وفي النهاية تنتهي. وكان يظن أيضا أن مياه البحار على الأرض صارت ممكنة يسبب سقوط بعض المواد المذنبية على كوكبنا.
وحتى ان كثيرا من علماء الفلك المعاصرون يعتبرون ان مسالة اصطدام مذنب بكوكب تؤدي الى اسهام قيم في جو الكوكب. ومثال على ذلك هو ان جميع الماء الموجود حاليا في جو المريخ والثلوج على جباله يمكن ان يعزى ذلك لاصطدام حديث لمذنب صغير بسطح المريخ.
ويسترسل نيوتن في تفكيره ، ويذهب الى ابعد من ذلك ويقول (انني اشك بان الحياة والروح بشكل رئيسي اتت من المذنبات وعلى الرغم من حقيقة كون تلك المذنبات هي الاصغر ، لكنها جزء دقيق ونافع في هوائنا وهي ضرورية كثيرا لتمد الاحياء باسباب الحياة في ارضنا) .
ولقد كان صديق نيوتن ( ادموند هالي ) في عام 1707 الدور الرئيسي في التنبؤ بالمدارات النظامية للمذنبات بحساباته للمذنبات التي ظهرت في اعوام ( 1531 / 1607 / 1682 ) والتي أكد بانها تخص مذنب واحد ، وان فترات ظهورة المتكررة تحدث بفاصل زمني يصل الى حوالي 76 سنه ، وقد تنبا ( هالي ) بعودة ظهور ذلك المذنب في عام 1758 ، وقد ظهر هذا المذنب في عام 1758 وقد ظهر هذا المذنب في ذلك العام بعد ان كان هالي قد توفي دوان ان يشاهده وقد حمل هذا المذنب اسم هالي.
وفي الايام الاولى من عام 1868 وجد العالم الفلكي ( وليام هيجينز تطابقا بين بعض الخصائص الطيفية للمذنب والطيف الطبيعي لبعض الغازات الاوليفينية ( الاوليفينات) وهي مركبات كيميائية عضوية . وبذلك نجد ان ( هوجنز) يكتشف بان المذنبات تحتوي على مواد عضوية. وفي الاعوام التالية تحقق ( هيجينز) من وجود غاز السانوجين (cn) في ذيل المذنب ويتركب هذا الغاز من ذرات الكربون والازوت. كما تاكد من وجود غاز الميثان والماء وعدة عناصر معدنية.
وكما هو معروف يوجد الاف الكوبكبات التي تسبح في مداراتها في الفضاء بين مداري المريخ والمشتري والتي تتركب من كتل صخرية ، ويتراوح قطر الكويكب من قرابة كيلومتر واحد وحتى 950 كيلو متر ( قطر الكويكب سيرس ) والكمية الكليه للمادة المذنبية – التي هي عبارة عن مجموع الكتل التقديرية لجميع الكويكبات الموجوده في المجموعه الشمسية – تقدر بحوالي 0.001 من كتلة الأرض. واصل تلك الكويكبات غير مؤكد فالبعض يقول : ربما هي حطام كوكب ضخم تحطم بين مداري المشتري والمريخ ولا زالت بقاياه تسبح في الفضاء بين المريخ والمشتري. بينما البعض الآخر ، يقول ربما كانت الكويكبات بقايا مذنبات قديمة نفذت غازاتها..
ومما ساعد نيوتن على تكوين هذا المعتقد الجديد ، هو كويكب جديد مثير زار كوكب الأرض في أواخر شهر كانون الاول ( 1984 وتم التعرف الى وجوده للمرة الاولى في تشرين الاول من عام 1983 عن طريق قمر ايراس الفلكي الذي كان يرصد الإشعاعات دون الحمراء المنبعثة من الاجرام السماوية. وبعد ذلك شوهد هذا الكويكب الذي يبلغ قطره حوالي ثلاث كيلومترات – بصريا – وقد تبين ان مدارة قريب من مدارات مجموعه شهب جمينيد التي يعتقد بانها بقايا مذنب استنفذت قواة.
وتتخذ هذه المجموعه ومن الشهب مدارات لها حول الشمس تقطعها كرتنا الارضيه مرة واحدة كل سنه ( حوالي 22 من كانون الاول) فتتلقى مرة واحدة في السنه زخة كثيفه من الشهب. ان هذا التقارب بين مدار الكويكب الجديد الزائر ومنطقة شهب جمينيد عزز الاعتقاد بان هناك كويكبات غير عادية يمكن فعلا ان تكون بقايا مذنبات خامدة.
ففي كتاب ( اصطدام العوالم Worlds in collision ) لمؤلفة ( عمانوئيل فيليكوفيسكي) الذي نشر عام 1950 إشارة إلى أن المذنب هو جسم كويكبي نشا من مجموعه كويكبات المشتري بطريقة ما. ومنذ حوالي 3500 سنه خلت ، بدأت مجموعه من المذنبات تنطلق إلى داخل المجموعة الشمسية ، وواجهت الأرض والمريخ ، وكان لنتائج سقوطها على الأرض ان واحدا منها اصاب البحر الاحمر فشطرة لجزئين ، وتشكل ما يشبة الجسر بين شطى البحر. وهذا الجسر عباره عن جسم مذنب مكون من الثلج المائي والاتربه والغازات ، كانت مدة بقائة كافية لعبور موسى والبهود معه وسمحت له بالنجاه وقومة من فرعون مصر " منبتاح) الذي كان يطاردة ، وقومة لشرورهم في مصر. وحين وصل فرعون لهذا الجسر كان قد تفتت ولم يصمد تحت وطاه جيشة فغرقوا جميعا. ويسترسل اليهود في خيالاتهم ويدعون ان الارض قد وقفت عن الدوران حسب اوامر جوشوا ( Joshua ) مما سبب انفجارات بركانية كثيرة وجريان حممها على الارض وحدوث طوفانات كثيره.
تنوية : هناك وجهات نظر تناقض ما جاء قي كتاب ( اصطدام العوالم) السابق ذكرة مفادها ان المذنب الذي اصاب البحر الاحمر – اذا كان خذا حقا حدث – قد احترفت مكوناته بعبرها الغلاف الجوي الارضي مرتفعه حرارتها ارتفاعا كبيرا ، نجم عنها لدى صدمها بالبحر تبخر لمياهه في مكان الصدم عرض البحر ، مشكلة بذلك طريق بري مؤقت لموسى وقومة ، ولكن سرعان ما تبردت تلك الجسيمات المذنبية وعادت مياة البحر الاحمر متدفقة من الجانبين مطبقة على فرعون مصر وجيشة مؤدية الى هلاكة وجيشة.
لقد حاول ادموند هالي ان يفسر بعض الحوادث التاريخية الكونية وغير الطبيعية انذاك على انها ناشئة عن تداخلات مذنبية فقال ان طوفان نوح ما هو الا نتيجة لصدم مذنب ضخم جبار قبل عدة الاف من السنين ( حوالي عشرين الف سنة تقريبا) أصاب مياه الخليج العربي انذاك ، وبما ان هذا الخليج مغلق تقريبا ، فقد دفع هذا الصدم بكميات هائلة من المياه تكون منها جدارا مائيا ثقيلا ، وتحرك هذا الجدار المائي نحو الشمال الغربي ، وغطى جميع سهول الفرات ووديانها وجبالها ورافق ذلك هطول أمطار غزيرة من الماء وانفجرت ينابيع الماء باعداد لا حصر لها بسبب ضغط الماء في داخل الخليج. وهطول الأمطار كان سببه ارتفاع الماء في السماء نتيجة هذا الصدم.
وبعد أن جفت الأرض ظهرت عليها رسوبيات ضخمة تشكلت منها سهول الجزيرة والفرات ، وهذا يفسر الموت الشامل والتحطيم المدمر الذي حدث فعلا في ذلك الزمان. وقد ورد ذلك الطوفان لدى جميع شعوب الأرض ، وتقدم ملحمة جلجاميش قصة كاملة للطوفان عند الأمم.
كما أن الكاتب (فيليكوفسكي) يشتط في تخيلاته ويفترض أن مذنبا قد دخل في لعبه معقدة بين كواكب المجموعة الشمسية وكأنها كرة بليارد ثم استقر في مدار دائري حول الشمس ، واصبح يعرف فيما بعد باسم كوكب الزهرة الذي لم يكن موجودا من قبل .
ربما كانت هذه الأفكار خاطئة لكن الفلكيين لا يعترضون على فكرة الاصطدامات الرئيسية .
ففي أي نموذج للنظام الشمسي لا يمكننا التعبير عن أحجام الكواكب بنفس المقياس المتخذ لتقدير أبعاد مداراتها ، لان الكوكب في هذه الحالة لا يمكن رؤيته لصغره اللامتناهي ، وتبدو بهذا المقياس وكأنها حبيبات من الرمل . فإذا شبهنا الشمس بانها بطيخة فيكون للكواكب الحجوم والأبعاد التالية عن تلك البطيخة :
الكوكب : عطارد / حجمة يشبة جبة سمسم : بعدة 15 مترا
الزهرة / حجمة يشبة حبة حمص بعدة 17.3 متر
الأرض / حبة كرز بعدة 24 م
المريخ / حجمة يشبة حبة العدس بعدة 32 م
حزام الكويكبات / حجمة يشبه مسحوق الطحين بعده 100 م
المشتري / حجمة يشبة برتقاله كبيرة بعده 125 م
زحل / حجمة يشبة برتقاله كبيرة بعدة 230 م
اورانوس حجمة يشبة حبة خوخ بعدة 460 م
نبتون حجمة يشبة حبة جوز بعدة 720 م
بلوتو حجمة يشبة حبة زيتون بعده 947 م
واكبر تلك الأجرام السماوية هو كوكب المشتري وحجمة يستوعب ألف كرة أرضية ويليه في الحجم كوكب زحل ذي الفوهات البركانية المختلفة الاتساع ، بحيث أن فتحة صغيره منها بإمكانها استيعاب الكرة الأرضية بداخلها بمنتهى السهولة ، هذا كان من السهل الاستنتاج أن احتمال حدوث اصطدام مذنب معين بالأرض خلال بضعه آلاف من السنين أمر غير محتمل وقوعه إطلاقا ، بل يحتاج لفترة لا تقل عن مائة مليون سنه ليحدث ذلك .
واكثر من ذلك فان كوكب الزهرة صخري ومعدني التركيب وشحيح بغاز الهيدروجين في حين ان المذنب ( المفترض) الذي شكلة قد انطلق من كوكب المشتري الذي معظمة هو غاز الهيدروجين ، أضف إلى ذلك أن كتلة الزهرة اكبر بثلاثين مليون مره من كتله اكثر المذنبات شهرة لدينا وانه لا توجد منابع طاقة على سطح المشتري قادرة على قذف المذنبات من سطحه لتصل إلى الأرض أو المريخ أو لموضع الزهرة الحالي. كما انه ليس بمقدور أي مذنب اذا مر بجوار الارض ان يوقفها عن دورانها .
ولا يوجد دليل جيولوجي يدعم فكرة البركنه او الطوفانات المتكررة خلال 3500 سنه مضت. بجانب الاراء السابقة حول اصل المذنبات التي ترجعها الى حزام الكويكبات بين مداري المريخ والمشتري ، هناك فرضية تربط اصل المذنبات بتاريخ ميلاد المجموعه الشمسية منذ حوالي 4.6 بليون سنه. ذلك انه في عام 1950 اشار الفلكي الهولندي جان اورت الى ان المادة المذنبية تتوفر بكثره في سحابة ضخمة محيطة بالمجموعه الشمسية على بعد يتراوح بين 10 – 100 الف وحدة فلكية ، وتحتوي هذه السحابه ( سحابة اورت ) على قرابة 300 بليون مذنب.
وان الشمس وهي تدور في الفضاء حول مركز مجرتها تقترب من تلك السحابه بشكل كاف لخلق اضطراب في مسار المذنبات ، مما يؤدي الى اندفاع بعضها نحو المجموعه لبشمسية نتخذه مدارات لها حولها.
من كتاب المذنبات للمؤلفين : د0علي موسى - د0 مخلص الريس
أ0 أميرة الأمير