حركات الأرض و انعكاساتها
اعتقد العالم اليوناني فيثاغور في القرن السادس قبل الميلاد أن الأرض تدور حول الشمس لكنه لم يقدم الأدلة العلمية التي تؤيد ذلك و تفسر كلامه . و قد اعتبر فبثاغور و أتباعه أن الشمس تمثل مركز الوجود ، في حين اعتبر بطليموس في القرن الثاني بعد الميلاد أن الأرض هي مركز الكون .
و في القرن الخامس عشر أحيا الفلكي البولوني كوبرنيك N.COPERNIC نظرية مركزية الشمس ووضع فرضية ازدواجية دوران الكواكب حول نفسها و حول الشمس ، و هي الفرضية التي استطاع غاليلي G. GALILEE في القرن السابع عشر من تأكيدها بفضل منظاره الفلكي .
و جاء بعد ذلك العالم كيبلر J.KEPLER فاكتشف قوانين هذه الحركة ثم تلاه العالم الفرنسي فوكو L.FOUCAULT سنة 1851 و أثبت صحة دوران الأرض حول نفسها باستخدام النواس PENDULE ) )
فقد ربط هذا العالم في مبنى عال) مبنى البانتيون بباريس ( سلكا طويلا يزيد طوله عن 70 مترا،و ينتهي طرفه بثقل مدبب يلامس سطح الأرض المفروش بطبقة من الرمل. و تركه يهتز مكونا بذلك نواسا، وجعل رأس الثقل بحيث يلامس الأرض في كل هزة لمسا خفيفا فيرسم عليها خطا يعبر عنه مستوى الاهتزاز.
و نظرا لأن النواس حر الحركة، لا يؤثر عليه إلا جاذبية الأرض للثقل ، فإن مستوى اهتزازه المفروض أن يظل رأسيا إلى أسفل باستمرار.
ولقد لاحظ ) فوكو( أن الخط الذي يرسمه النواس على الأرض يتغير مع الوقت، فيتحرك من الشرق إلى الغرب ،أي إلى اليمين، و بعد مدة ساعة وجد الخط قد تحرك 15° يمينا، فبرهن بذلك على دوران الأرض.
و الجدير بالذكر أن الكلدانيين و المصريين و العرب كانوا سباقين لمعرفة دوران الأرض حول نفسها.
أما اليوم ، و بعد التقدم الهائل الذي سجله علم الفلك، خاصة منذ الخمسينيات، فلم يعد هناك مجال لطرح سؤال يتعلق بصحة دوران الأرض.
دوران الأرض حول نفسها:
تدور الأرض حول محور وهمي يخترقها من الشمال إلى الجنوب . و تعرف النقطة التي ينتهي عندها محور الأرض في الشمال بنقطة القطب الشمالي. و النقطة التي ينتهي عندها في الجنوب بالقطب الجنوبي. و يمتد محور الأرض، أو خط القطبين كما يسمى أحيانا، عموديا على دائرة عظمى تسمى دائرة الاستواء، وهي دائرة تقسم الكرة الأرضية إلى قسمين متساويين أحدهما في الشمال و هو نصف الكرة الشمالي و الآخر في الجنوب و هو نصف الكرة الجنوبي .
وتدور الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق. و لما كانت النجوم و منها الشمس ثابتة نسبيا و الأرض هي المتحركة فإنه يبدو لنا كما لو كانت النجوم والشمس تتحرك في قبة السماء في اتجاه معاكس أي من الشرق إلى الغرب . فالشمس تظهر كل يوم من الشرق ثم تعلو في الأفق حتى تصل إلى كبد السماء ، و هو أعلى ارتفاع لها عند منتصف النهار ) الزوال( ، ثم تميل بالتدريج حتى تختفي في جهة الغرب.
الشكل رقم (1) حركة الشمس الظاهرية.
و الواقع أن ما نراه من انتقال الشمس في مسلكها كل يوم من الشرق إلى الغرب هو حركة ظاهرية فقط، تنشأ عن دوران الأرض حول نفسها في اتجاه مظاد شانها في ذلك شان بقية كواكب المجموعة الشمسية .
و يمكن تشبيه هذه الظاهرة بما يراه المسافر في قطار سريع، إذ تظهر له الأشجار و أعمدة الهاتف كأنها تتحرك في اتجاه مضاد لاتجاه سير القطار، مع أنها في الواقع كالنجوم ثابتة في أماكنها.
و المحور الوهمي الذي تدور حوله الأرض يقع على امتداده الشمالي اللانهائي القطب الشمالي الكوني (السماوي) و على امتداده الجنوبي ، اللانهائي كذلك ، القطب الجنوبي الكوني لقبة الكرة الكونية (السماوية). و كما أن للأرض دائرة استواء فكذلك للكرة السماوية دائرة استواء وهمية تماثلها تعرف باسم دائرة الاستواء السماوية.
آثار دوران الأرض حول نفسها :
الظاهرة الأولى:
اختلاف سرعة دوران الأرض حسب خطوط العرض
إن التغيير الذي نلاحظه على الوقت كلما سافرنا شرقا أو غربا هو أحد النتائج المهمة لدوران الأرض حول محورها من الغرب إلى الشرق بسرعة ثابتة أمام الشمس، و يتوقف معدل تغيير الزمن على السرعة التي تدور بها الأرض حول محورها.
و يمكن قياس هذه السرعة بقسمة طول دائرة العرض، وهو 40077 كلم على 24 ساعة، و هي المدة التي تكمل فيها الأرض دورتها حول نفسها .
ولكن نظرا لكون طول دوائر العرض غير متساو، بل يتناقص كلما اتجهنا من خط الاستواء نحو القطب، فإن المسافة التي تقطعها أي نقطة على الدائرة الاستوائية أثناء دوران الأرض حول نفسها تزيد عن المسافة التي تقطعها أي نقطة على أي دائرة عرضية أخرى في نفس الزمن .
فبينما تقطع أي نقطة على الدائرة الاستوائية مسافة 40077 كيلومتر في 24 ساعة، أي بسرعة 1670 كلم/سا، فإن أي نقطة على دائرة عرض 60° ، التي يبلغ طولها حوالي نصف طول الدائرة الاستوائية ، تكون سرعتها 840 كيلومتر تقريبا في الساعة فقط ، لأن هذه الدائرة ستكمل دورتها كذلك في نفس المدة أي 24 ساعة.
أما عند القطب نفسه فإن السرعة تكاد تنعدم ) صفر(. ولو فرضنا أن شخصا كان واقفا في هذه النقطة لمدة 24 ساعة فكل ما يحدث أنه سيدور حول نفسه دورة واحدة في هذه المدة.
و على الرغم من السرعة الفائقة التي تدور بها الأرض سواء حول نفسها أو حول الشمس فإننا لا نشعر بها لأن كل شيء عليها من صخور و مياه و هواء يتحرك في وقت واحد و بنفس السرعة
الظاهرة الثانية:
تعاقب الليل و النهار
كل مكان على وجه الأرض يتمتع بضوء النهار من طلوع الشمس إلى غروبها، ثم يأتي عليه الليل و يظل مظلما حتى الصباح التالي .و هكذا يتعاقب الليل و النهار نتيجة لدوران الكرة الأرضية حول نفسها.
و الجدير بالذكر أن كل نقطة من نقاط الأرض لا بد و أن تمر بها دائرة عرض تكون موازية للدائرة الاستوائية و يتعامد عليها محور القطبين.
و خلال انتقال الأرض من الغرب إلى الشرق يكون المشاهد الموجود في إحدى هذه النقاط أحيانا في الليل و أحيانا أخرى في النهار حيث يلاحظ ارتفاع الشمس شيئا فشيئا فوق الأفق إلى أن تصل إلى أعلى مستوى لها عند منتصف الدائرة المضاءة فيكون الوقت عندئذ منتصف النهار . و كل النقاط، أي الأماكن، التي تقع على نفس خط الطول المار بمنتصف الدائرة المضاءة يكون الوقت فيها منتصف النهار كذلك. ثم تميل الشمس في حركتها الظاهرية تدريجيا نحو الغرب إلى أن تختفي تحت الأفق.
و تستغرق الأرض لإتمام دورة حول نفسها و عودتها إلى نفس وضعيتها السابقة 23 ساعة و 56 دقيقة و 4 ثوان أي بالتقريب 24 ساعة ، و هي المدة التي اصطلح على تسميتها ب :ََ اليوم ََ.
و الجدير بالذكر أن اليوم يشكل وحدة قياس الزمن ، فإحدى النتائج المهمة لدوران الأرض حول نفسها إذن تتمثل في وجود معيار لقياس الزمن.
الظاهرة الثالثة:
قوتا الدفع و الجذب المركزيتين
تتمثل هذه الظاهرة في قوة اندفاع عظيمة تعرف بقوة الدفع أو الطرد المركزية . و هذه القوة تدفع بمواد الأرض و ما عليها نحو الخارج بعيدا عن مركز الأرض. و لو كانت القوة الطاردة الناشئة عن دوران الأرض حول محورها هي القوة الوحيدة المؤثرة لتطاير سطح الأرض عنها ، بل ولا استحال على جرم الأرض كله أن يتماسك ولكن هناك قوة أخرى تقاومها وهي قوة الجاذبية المركزية التي تفوقها بمقدار 289 مرة عند خط الاستواء، و هي التي يرجع إليها الفضل في تلاصق أجزاء الأرض و اندماجها .
و يعتقد العلماء أن انتفاخ الأرض عند دائرة الاستواء و فلطحتها عند القطبين راجع إلى تأثير دوران الأرض حول نفسها ، فقوة الطرد المركزية هي أقوى ما تكون عند دائرة الاستواء ، فيؤدي هذا إلى تباعد الأجزاء الاستوائية عن المركز أكثر من الأجزاء القطبية .
و بما أن سرعة الأرض متفاوتة حسب دوائر العرض فإن آثارها تتمثل كذلك في انخفاض وزن الأشياء قليلا عند خط الاستواء عنه عند القطب . و لتفسير ذلك فإن كتلة يبلغ وزنها 289 كيلوغراما عند القطب تقل بكيلوغرام واحد عند وزنها عند خط الاستواء بسبب قوة الطرد المركزية.
الظاهرة الرابعة :
انحراف الأجسام المتحركة عن اتجاهها الأصلي
نعلم أن سطح الأرض ميدان لعدد كبير من الحركات ذات أهمية عظيمة بالنسبة للجغرافيا ، كحركات الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض و حركة البحار التي تغطي ثلثي مساحة الأرض .
و إذا كان الاختلاف في الضغط الجوي يعتبر المسؤول الأول في حدوث انتقال الرياح مثلا من مكان إلى آخر فإن سرعة دوران الأرض حول نفسها و اختلاف هذه السرعة من دائرة إلى أخرى من دوائر العرض تعتبر السبب الرئيسي في انحراف هذه الحركة عن اتجاهها الأصلي.
فهذا التباين في سرعة دوران الأرض حسب خطوط العرض( 1670 كلم / سا عند دائرة الاستواء، و 1178 كلم / سا عند درجة عرض 45°، و840 كلم / سا عند درجة عرض 60° ، وصفر عند القطبين) له انعكاسات كبيرة على الظواهر المتحركة على سطح الأرض خاصة منها الرياح و التيارات البحرية باعتبارها ظواهر طبيعية تنتقل على مسافات بعيدة عموما , فهذه الظواهر عندما تنتقل من منطقة قليلة السرعة إلى منطقة كبيرة السرعة أو العكس ، تتأثر بهذا الاختلاف فتنحرف.
وقد وجد حسب قانون كوريولي CORIOLIS G. بأن الانحراف يتم نحو اليمين في نصف الكرة الشمالي و نحو اليسار في نصف الكرة الجنوبي وذلك بالنسبة للشخص الذي يولي وجهته نحو الشمال. و بالفعل فإن الأرض تدور قي الاتجاه المعاكس لاتجاه عقارب الساعة بالنسبة للقطب الشمالي و في اتجاه عقارب الساعة بالنسبة للمتجه نحو القطب الجنوبي.
و لنتصور حجما من الهواء ثابتا غير متحرك فوق الدائرة الاستوائية، فسوف يجد هذا الهواء نفسه في قبضة السرعة الفائقة التي تدور بها الأرض في هذه المنطقة , فإذا تعرض هذا الهواء للجذب ، بسبب اختلاف في الضغط الجوي ، نحو منطقة للضغط المنخفض تقع شمال خط الاستواء مثلا، فإن هذه الكتلة من الهواء ستحافظ لمدة من الوقت على السرعة الكبيرة التي كانت تحت تأثيرها ، غير أن هذه السرعة تفوق سرعة دوران الأرض في المكان أو دائرة العرض التي انتقل إليها هذا الهواء.
فهو سيدور إذن بسرعة أكبر من سرعة دوران الأرض عند ذلك المكان و لم يعد ساكنا كما كان من قبل بل متحركا بالنسبة لسطح الأرض ، فيصبح ريحا , و اتجاه هذا الريح الذي كان من المفروض أن يكون من الجنوب إلى الشمال( لأن كتلة الهواء انجذبت نحو الشمال) سينحرف نحو اليمين و يصبح اتجاهه جنوب غرب ـ شمال شرق ، و إذا انتقلت كتلة الهواء من المنطقة الاستوائية باتجاه نصف الكرة الجنوبي فإنها ستنحرف نحو اليسار لنفس السبب و يصبح اتجاهها شمال غرب ـ جنوب شرق.
فلا يوجد إذن تبادل مباشر بين القطبين و الدائرة الاستوائية لأن الرياح والتيارات البحرية التي تتجه باتجاه خطوط الطول و التي تحمل معها حرارة المنطقتين المداريتين إلى القطبين مباشرة أو العكس تحمل معها برودة القطبين نحو المنطقة الاستوائية مباشرة لا وجود لها. بل نلاحظ وجود دوامات ) زوبعات ( معقدة وتيارات موجهة على الخصوص إما إلى الغرب أو إلى الشرق أي بصفة عامة باتجاه خطوط العرض . فالانحراف الناتج عن دوران الأرض حول نفسها هو الذي يفسر سبب عدم وصول المبادلات بين القطبين و خط الاستواء على شكل تيارات موازية لخطوط الطول.
و لولا انحراف حركة الأجسام على سطح الأرض لما كانت رياح الآليزي في نصف الكرة الشمالي تلك الرياح الشمالية الشرقية التي كان لها قبل اكتشاف قوة البخار أعظم الأثر في المواصلات بين العالم القديم و الحديث. و كذلك فلولا هذا الانحراف لما كانت الرياح السائدة في العروض الوسطى رياحا غربية ، تلك الرياح التي هي للشواطئ الغربية من القارات ينبوع رطوبة وحرارة معا.
وكذلك فلولا هذا الانحراف لما كانت التيارات البحرية الحارة المعروفة بتيار الخليج في المحيط الأطلسي و تيار كورشيفو في المحيط الهادي لتحمل الدفء إلى ما بعد الدائرة القطبية على سواحل النرويج.
و العاملان الأساسيان في مقدار زاوية انحراف الأجسام على سطح الأرض هما سرعة المتحرك من جهة و درجة عرض مكانه من جهة أخرى .
و قد وجدت فعلا الضفاف اليمنى للأنهار الكبرى في نصف الكرة الشمالي شديدة الانحدار ، شبه شاقولية، في حين أن الضفاف اليسرى وجدت ضعيفة الانحدار كما هو الحال في أنهار روسيا كلها تقريبا .
و ذلك أن الانحراف الناشئ عن دوران الأرض يجعل ماء النهر مدفوعا دوما للالتصاق بالضفة اليمنى فيشتد إئتكال الماء لهذه الضفة فتصبح شبه شاقولية، في حين أن الماء يكون مدفوعا دوما للانفصال عن الضفة اليسرى فلا يحدث ضغطا قويا عليها فيقل ائتكال الماء لهذه الضفة فتصبح ضئيلة الميل و قد أصبح العلماء يأخذون في الحسبان أثر هذا الانحراف في تعديل توجيه الصواريخ الموجهة .