جون دالتون
Dalton, John
(1766- 1844م)
في بيت وضيع جدا في " ابكلزفيلد – كمبرلاند" ولد جون دالتون من أبوين من الصاحبيين (شيعة بررتستانتية تؤمن بالسلم ولا تحارب أبداً) وكان شعار الوالدين خدمة الله ودماثة الأخلاق.
تلك كانت بيئة الطفل الناحل الذي وضعته أمه في إحدى ليالي الشتاء الباردة عام 1766 فدعاه أبوه جون، ونشأ الولد عنيداً في سبيل الحق، حي الضمير والوجدان ، ما أسند إليه عمل إلا وقام به بكل إتقان.
ذهب جون الى مدرسة القرية فظهر تفوقه في حل المسائل الحسابية. وكم من مرة ربح الرهان مع رفاقه ومعلمه حول بعض المسائل المستعصية.
في الثانية عشرة من عمره حصّل من العلم ما يكفيه بالنسبة لقريته. انشأ مدرسة في القرية ونجح في التعليم لكنه تخلى عن مدرسة القرية في سن الخامسة عشرة . فالتحق بأخيه الذي كان يدير مدرسة في جوار كندال، فرفض عرض عمِّه للعمل في الزراعة والتحق بأخيه في المدرسة، فأقبل التلاميذ عليها بنهم وشوق واوجدوا طرقاً جديدة في التربية والتعليم.
بدأ يسجل مقاييس الطقس وظل على ذلك مدة 57 سنة حتى آخر يوم من حياته، مستعملاً لذلك أداة من صنعه باع من أمثالها الكثير للفلاحين ليزاولوا مهمة قياس المطر المنهمر..
قام بسلسلة محاضرات في الفلسفة الطبيعية مبنية على دراساته الشخصية، فشملت المواضيع التالية:
نواميس الحركة ، الألوان، الريح، الصوت ، الخسوف، الكواكب ، المد والجزر.. لكن محاضراته لم تحظ بالإقبال المرجو لاعتبارات عديدة ، فتحول إلى العمل الصامت وراح يدرس الأزهار والنباتات ووضع دراسة عن النباتات وأخرى عن الحيوانات ولتغطية نفقاته اضطر الى التعليم نهاراً وليلاً، رأى أنه إذا وضع كتاباً في الصرف والنحو يساعده في تأمين نفقاته وكان ذلك لكن الكتاب لم يخل من بعض الأخطاء.
ثم ألّف سلسلة من المقالات عن الرصد الجوي لم يلبث أن نشرها في كتاب كله خبرات شخصية.
على أثر حادثة وقعت له مع احد أصدقائه عن رؤية وجنتي عذراء خجول حين قال إن لونهما أزرق. وهكذا حدث معه عندما أهدى والدته زوجاً من الجوارب على أساس انه يرى لونهما أزرق في حين أن لونهما أحمر. فعكف على دراسة هذا الموضوع وتبين له أن هناك أناساً آخرين مثله.
فكانت النظرية المنسوبة إليه Daltonisme أو عمى الألوان. وهكذا قضى 27 عاماً وهو يرى العالم على غير حقيقته، بات لزاماً عليه أن يبحث عن الحقيقة الكامنة وراء هذا التناقض الواضح في الحواس.
فانصب على دراسة الكيمياء لمعرفة الحقيقة، وأقام في منزل القسيس جونز مكرماً وأقام فيه مختبراً جعله معبداً له، وسئل مرة : " ما بالك لا تتخذ لك امرأة؟" فكان يعتذر إليهم بذلك عن قوله " ليس لدي من الوقت ما أخلو به مع زوجة، فرأسي حافل بالمثلثات والعمليات الكيمياوية والاختبارات الكهربائية، ليس فيه متسع لمثل هذا الهراء" .
مع ذلك فقد تعرف على أجمل فتاة في منشستر كما كتب إلى أخيه. لكن أمور الكيمياء والمختبر أسرته حقاً.
فقال: " برهن نيوتن على أن ثقل الذرات هو الذي يجذب الجزيئات في المادة، أفلا يمكن للأجسام الكيميائية أن تكون مؤلفة من ذرات متناهية في الصغر" .
لبّى دالتون نداء هذا الافتراض ، ووجد في تجاربه أن عناصر بعض المركبات متحدة معاً بالنسبة ذاتها. ووضع القاعدة التالية: " إذا كان وزن ذرة بالنسبة الى أية ذرة أخرى معروفاً فالنسبة في أي مركب تدخل فيه تلك الذرة يمكن تحديدها وعندما نضع جدولاً بأوزان الذرات يرى الكيماوي نفسه مالكاً للأدوات الأساسية في عمله".
بهذا قضى نهائياً على الخيميائيين أو السيميائيين من تحويل الحديد الى ذهب أو بث الحياة من الموت.