القيامة ليست خدعة أو خرافة
1- القيامة حادثة تاريخية:
قيامة المسيح حادثة تاريخية محددة، حدثت في زمن معيَّن وفي مكان محدَّد. صحيح أن لها معنى لاهوتياً ولكنها حقيقة تاريخية. صحيح أنها غير طبيعية، لكن الواضح أن قبر المسيح وُجد فارغاً.
كان القبر مملوكاً لرجل غني عاش في النصف الأول من القرن الأول الميلادي، وكان محفوراً في صخر أحد التلال القريبة من أورشليم، فلم يكن شيئاً وهمياً. وكان الحراس جنوداً من لحم ودم أحاطوا بالقبر. ومجلس السنهدريم الذي انعقد ليبحث مشكلة القبر الفارغ مجلس معروف. ويسوع شخص تاريخي، وتلاميذه أشخاص حقيقيون، أكلوا وشربوا وناموا وتألموا. هذه كلها ليست أوهاماً ولكنها حقائق ثابتة.
ويقول أغناطيوس، أسقف أنطاكية (50 - 115 م) وتلميذ الرسول يوحنا، وهو مواطن سوري، في رسالة كتبها وهو في الطريق إلى روما ليلقَى حتفه في أفواه الأسود كشهيد مسيحي: صُلب المسيح في حكم بيلاطس البنطي، ومات فعلاً تحت بصر السماء والأرض وما تحت الأرض. وقام في اليوم الثالث. حُكم عليه في الساعة الثالثة (أي 9 صباحاً) من يوم الاستعداد ونُفِّذ الحكم في الساعة السادسة، وفي الساعة التاسعة أسلم الروح، ودُفن قبل غروب الشمس، وبقي يوم السبت في قبر يوسف الرامي.
لقد حُمل به في البطن كما يحدث لنا، ووُلد كما نولد نحن، وتغذّى باللبن، وأكل وشرب فعلاً وحقاً كما نفعل نحن. وبعد أن عاش وسط الناس ثلاثين سنة، عمَّده يوحنا المعمدان فعلاً وليس خيالاً. وبعد أن بشر بالرسالة المفرحة ثلاث سنوات وعمل معجزات وعجائب - ومع أنه الديَّان - أدانه اليهود زوراً وحكم عليه بيلاطس ظلماً، وجُلد وضُرب على خده وتُفل عليه ولبس تاجاً من شوك وثوباً أرجوانياً، وصُلب فعلاً، لا بالخيال ولا بالمظهر ولا بالخداع، لقد مات حقاً ودُفن وقام من بين الأموات.
ويقول المؤرخ ألفرد إدرشايم في كتابه حياة يسوع المسيح وزمانه:
كاد يوم الربيع القصير أن يصل إلى مساء السبت. وكان أمر الشريعة أن لا يبقى جسد المجرم معلقاً لصباح اليوم التالي. وربما تغاضى اليهود عن أن يطلبوا من بيلاطس تقصير آلام المصلوبين، لأن الموت بالصليب كان يستغرق أحياناً أياماً. ولكنهم طالبوا بيلاطس بإنزال جسد المسيح قبل السبت، لأنه كان يوم سبت، وثاني أيام عيد الفصح.
وقال جستن الشهيد (100 - 165 م) الفيلسوف والشهيد والمدافع عن المسيحية بعد أن درس الرواقية وفلسفة أرسطو وفيثاغورس وأفلاطون قال: وجدت فلسفة المسيح وَحْدها أمينة ونافعة. وقد اكتشفتُ أن فلسفات العالم تقدّم مجرد افتراضات عقلية، أما المسيحية فهي التي تقدم اللّه نفسه فعّالاً في الزمن والمكان بواسطة المسيح وهو يقول: وُلد المسيح منذ 150 سنة تحت حكم كيرنيوس... في زمن بيلاطس البنطي.
ويقول ترتليان أسقف قرطجنة (160 - 220 م) تضايق قادة اليهود من تعاليمه لأن الشعب انحاز إليه، فجرُّوه أمام بيلاطس البنطي، والي سوريا الروماني، وبصراخهم استصدروا عليه حكم الموت صلباً.
وكتب المؤرخ اليهودي يوسيفوس في القرن الأول الميلادي: وفي نحو ذلك الوقت عاش رجل حكيم اسمه يسوع - إن كان يحقّ أن تدعوه إنساناً، لأنه عمل معجزات عظيمة. كان معلماً مقتدراً تلقَّى الناس تعاليمه بفرح، فجذب إليه الكثيرين من اليهود واليونانيين. هذا الرجل كان المسيح. حكم بيلاطس عليه بالصلب، بناءً على اتهام الرجل الكبير فينا، أما الذين أحبوه منذ البدء فلم يتركوه، لأنه ظهر لهم حياً في اليوم الثالث. ولقد سبق أن تحدث عنه الأنبياء القديسون بهذه الأمور وبآلاف الأشياء العجيبة. وحتى اليوم لا زال يوجد أتباعه المسيحيون.
ولقد حاول البعض أن يبرهنوا أن هذه الكتابة مدسوسة على يوسيفوس، لكننا نرى أن المؤرخ يوسابيوس اقتبسها عن يوسيفوس في القرن الرابع الميلادي، ويوسيفوس قد كتب لإرضاء الرومان، ولم يكن ممكناً أن يكتب ذلك - وهو ما لا يرضيهم - لو لم يكن ذلك هو الحق الثابت.
ويورد العهد الجديد لنا قصة التغيير العجيب الذي طرأ على حياة تلاميذ المسيح. فأولئك الخائفون صاروا شجعاناً لأنهم عرفوا أن يسوع حي. ويقول لوقا إن المسيح أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة (أعمال 1: 3). وكلمة أراهم تعني الدليل الملموس القوي، فقد آمن الرسل بالقيامة بعد أن رأوا ولمسوا بحواسهم، ونقلوا شهادتهم لنا. وعلى هذا فالقيامة قصة تاريخية صادقة - بكل المقاييس - وهي حافز قوي على الإيمان بالمسيح مخلّصنا.
وقد جمع لوقا سفر الأعمال ما بين عام 63 و70 م، ويوضح في مقدمة إنجيله أنه جمع معلوماته من مصادر موثوق بها لأنهم شهود عيان، وتابع تقديم ما وصل إليه في سفر الأعمال. وكثيراً ما يقول نحن مما يدل على أنه قد كتب هو ما رآه شخصياً. لقد عاش لوقا وسط الأحداث والكرازة فهو من شهود العيان الأولين. وقبلت الكنيسة الأولى سفر أعمال الرسل، ولا بد أنها كانت تعرف تاريخها تماماً، وقبول الكنيسة منذ البداية لهذا السفر دليل على صحة ما جاء به من معلومات تاريخية.
ورسائل العهد الجديد دليل تاريخي - لا يُدحض - على صحة القيامة، فقد كتب بولس رسائله إلى غلاطية وكورنثوس ورومية في أثناء رحلاته التبشيرية، ويرجع تاريخها إلى 55 - 58 م، وهذا تاريخ قريب من حادثة القيامة (بعدها بفترة لا تتجاوز خمسة وعشرين عاماً فقط). ولما كان ما كتبه في الرسالة هو نفسه الذي سبق فكرز لهم به، فإن تاريخ الكرازة أكثر قُرباً لحادثة القيامة.
والذي يقرأ قصة الأناجيل عن الصلب والقيامة يرى التوسع الكامل في الرواية، فالكاتب يعطي تفاصيل دقيقة، ويوضّح أن القيامة تنفيذ لخطّة اللّه السابقة لحياة المسيح، وتكملة طبيعية للحياة فوق الطبيعية التي عاشها المسيح ابن اللّه وابن الإنسان.
القيامة إذاً حادثة تاريخية، والبرهان الذي نسوقه على صحتها برهان تاريخي. ولقد جعلت الكنيسة الأولى شروطاً لمن يُعتبر رسولاً، أولها أن يكون قد شاهد القيامة (أعمال 1: 22). وقال بولس في عظته لأهل أثينا إن جوهر تعليمه هو يسوع والقيامة (أعمال 17: 18). وهكذا قال بطرس في عظته: يَسُوعُ هذَا أَقَامَهُ اللّ هُ، وَنَحْنُ جَمِيعاً شُهُودٌ لِذ لِكَ (أعمال 2: 32).
ولقد قوِيَ إيمان الرسل بالمسيح بعد أن قام، ومنحتهم قيامته شجاعة وعزماً وجعلتهم يحتملون كل اضطهاد.
2 - شهادة التاريخ والقانون:
عندما تحدث حادثة ويراها عدد كبير من الأحياء، أو يشترك فيها عدد كبير منهم، ثم يُسجَّل في كتاب يُنشر دون أن يعترض هؤلاء على ما جاء به، فإن ذلك دليل لا يُدحَض على صحة الحادثة. ويسمى هذا البرهان من الظروف. وفي قصة الأناجيل نرى الكتَّاب الأربعة يعتبرون حادثة القيامة أهم حوادث حياة المسيح، التي يعتمد عليها كل الإيمان. ويورد كتَّاب الأناجيل، كما يورد بولس، أسماء الذين رأوا المسيح بعد قيامته. ويمكن القول إن البرهان على صدق القيامة أقوى من أي برهان على أي معجزة أخرى، بل أن بولس يقول: إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ، فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ (1 كورنثوس 15: 14).
ولعل أكبر دليل على صدق العهد الجديد أنه كُتب بعد حادثة القيامة بنحو ثلاثين أو أربعين سنة ليقرأه أناس عاصروا الحوادث المسجَّلة فيه واشتركوا فيها، فلا بد أن تكون الرواية صحيحة، خصوصاً وأن عدد الأعداء كان كبيراً! ولنفترض أن مؤرخاً أراد تسجيل حياة ملك بعد وفاته بأربعين سنة أو أقل، هل يجرؤ أن يذكر أكاذيب؟ إن معاصري ذلك الملك سيُعلنون احتجاجهم. ويقول أمروز فلمنج: لم تتأسس المسيحية إذاً على أساطير أو خيالات، أو كما يقول بطرس، على خرافات مُصنَّعة، لكنها تأسست على حقائق تاريخية، قد تبدو غريبة، لكنها صادقة، وهي أعظم ما حدث في تاريخ العالم.
ولقد حاول المحامي البريطاني فرنك موريسون أن يكتب كتاباً ضد القيامة، يحلّل فيه أحداث الأيام الأخيرة من حياة المسيح على الأرض. ولكنه عندما درس الحقائق بكل دقة اضطر أن يغيّر رأيه، وكتب كتابه في صفّ القيامة، وجعل عنوان الفصل الأول منه الكتاب الذي رفض أن يُكتب. أما عنوان الكتاب فهو من دحرج الحجر؟، وهو كتاب من أروع وأدق ما كُتب.
وقد كتب أحد المحامين لقسيس صديق له يقول: كمحامٍ درستُ بالتفصيل براهين حوادث القيامة، ووجدت البراهين قاطعة. وقد كسبت أحكاماً من المحكمة العليا في قضايا ببراهين أقل من البراهين التي وجدتها في قصة القيامة. إن الاستنتاج يتبع البرهان، والشاهد الصادق لا يزّوق الحقائق، ويزدري كل محاولة للتأثير. والبراهين على صدق القيامة من هذا النوع، وإنني كمحام أوافق - بدون أي تحفظ - على صدق القيامة من شهادة الشهود الصادقين (2).
وقال توماس أرنولد أستاذ التاريخ الحديث في أكسفورد: إن الآلاف المؤلَّفة من العلماء درسوا قصة القيامة بطريقة نقدية، وأنا واحد منهم. لقد اعتدْتُ دراسة التاريخ وتحليل حوادثه، والحكم على المؤرخين وبراهينهم. ولم أجد قصة أقوى برهاناً من قصة القيامة، فإنها تُقنع كل باحث مخلص عن الحق (3).
وقال اللورد لندهرست، وهو أكبر العقول القانونية التي أنجبتها بريطانيا، وبلغ أعلى المراتب القضائية فيها: إنني أعرف جيداً ما هو الدليل أو البرهان، وإنني أقول إن برهان قصة القيامة غير قابل للنقض (3).
من أشهر أساتذة القانون: سيمون جرينليف (1783 - 1853 م) من جامعة هارفارد. وقد كتب كتاباً عنوانه: فحص لشهادة البشيرين الأربعة حسب قوانين محاكم العدل قال فيه:
أعلن الرسل الحقائق العظيمة عن قيامة المسيح من الأموات، وأن رجاء الخلاص هو بالتوبة عن الخطية والإيمان به. وقد أعلن الرسل، بلسان واحد، هذا الإعلان وحده في كل مكان، في مواجهة المفشِّلات والفساد الأخلاقي والفكري. كان معلّمهم قد مات كمجرم صدر عليه حكم الإعدام. ولكنهم كانوا ينشدون نشر عقيدتهم لتحل محل كل العقائد الأخرى. كانت قوانين كل الدول ضد تعاليمهم، وكانت رغبات الحكّام وعواطفهم ضدهم، وكانت اتّجاهات الناس ضدهم، لكنهم حاولوا نَشْر عقائدهم باللطف والسلام، فواجهوا الاحتقار والكراهية والمقاومة والاضطهاد المرّ والجَلْد والسَّجن والتعذيب والموت بأساليب فظيعة. غير أنهم نشروا دينهم بكل غيرة، واحتملوا العذاب كلَّه بسرور. ومات الواحد منهم بعد الآخر، لكن الباقين أكملوا الرسالة في حماسة وعزم متزايدين، في بطولة تفوق كل بطولة عرفها العالم. لقد كانت أمامهم فرصة مراجعة إيمانهم وفحص الأدلة على صدقه، وكان من المستحيل أن يثبتوا على عقيدتهم لولا ثقتهم في صحتها المطلقة، وتأكدهم أن المسيح قد قام فعلاً من الأموات، وأن هذه هي الحقيقة اليقينية مثل أي حقيقة أخرى أكيدة. ولو أن أحداً خدعهم حتى صدقوا القيامة، فقد كانت تحيط بهم عوامل كثيرة تدفعهم ليُعيدوا التفكير ويكتشفوا الخديعة. ولم يكن ممكناً أن يستمروا في تصديق أكذوبة تعرِّضهم للاضطهاد القاسي من الخارج، والإحساس بالذنب من الداخل، بلا رجاء في السلام، ولا راحة للضمير، ولا انتظاراً لكرامة أو تقدير بين الناس، وبالجملة بلا رجاء في هذا العالم، ولا في العالم الآتي.
إن الدراسة تظهر أن الرسل كانوا أشخاصاً عاديين مثلنا في طبيعتهم، تحركهم ذات الدوافع، وتحدوهم ذات الآمال، وتحضُّهم ذات الأفراح، وتكتنفهم ذات الأحزان، وتؤثر فيهم ذات المخاوف، وتتعرَّض نفوسهم لذات التجارب والضعفات والعواطف مثلنا. وتدلّ كتاباتهم على رجاحة عقولهم. وما لم تكن شهادتهم صادقة فإننا لا نستطيع أن نرى دافعاً آخر لهم يجعلهم يخترعون خدعة لينشروها على الناس (4).
وحسناً قال كليفور هرشل مور أستاذ جامعة هارفارد: إن المسيحية عرفت أن مخلصها وفاديها ليس كباقي الآلهة الذين وردت أسماؤهم في الأساطير التي تلفُّها عناصر خرافية بدائية. فيسوع شخص تاريخي لا خرافي، فلا يوجد شيء خرافي في العقيدة المسيحية التي تأسست على حقائق إيجابية أكيدة.
ويقول بنيامين ورفيلد من جامعة برنستون: إن تجسد اللّه الأزلي هو بالضرورة مسألة عقيدة، فلا يمكن لعين بشرية أن تراه وهو يتنازل ليأخذ صورة الإنسان، ولا يمكن للسان بشري أن يشهد بذلك، ومع ذلك فلو لم يكن التجسد حقيقة لكان إيماننا باطلاً ولظللنا في خطايانا. أما قيامة المسيح فحقيقة ثابتة، حادثة وقعت فعلاً، تدخل في دائرة معرفة الإنسان وإدراكه، ويمكن إِثباتها بمختلف الشهادات والأدلة، وهي التعليم الأساسي في المسيحية، وعليها تتوقف باقي التعاليم.
قال أحد العلماء العظماء، الدكتور أيفي، رئيس قسم الكيمياء في جامعة إلينوي: أؤمن بقيامة المسيح الجسدية. أنا أؤمن وأقدر أن أدافع عن إيماني بالعقل.. صحيح أنني لا أقدر أن أبرهن إيماني هذا بذات الطريقة التي أبرهن بها بعض الحقائق العلمية. ولكن بعض هذه الحقائق كان غامضاً منذ مئة سنة كما لا تزال حقيقة القيامة اليوم. وعلى أساس البرهان التاريخي للمعلومات البيولوجية الراهنة، فإن العالِم الأمين لفلسفة العلم يمكن أن يشكّ في قيامة المسيح بالجسد، لكنه لا يملك أن ينكرها، لأن هذا يعني أنه يستطيع أن يبرهن أنها لم تحدث. صحيح أن علم البيولوجي اليوم يقول إننا لا نقدر أن نقيم جسداً مات وقُبر منذ ثلاثة أيام، ولكن إنكار قيامة المسيح على أسس علم البيولوجي كما هي الآن، هو موقف غير علمي حسب معرفتي بفلسفة الموقف العلمي السليم. (5).
في عام 1747 أصدر عالمان كتاباً... وقصة إصداره أن شابين هما جلبرت وست ولورد لتلتون عزما على مهاجمة الكتاب المقدس، فقرر لتلتون أن يثبت أن شاول الطرسوسي لم يصر مسيحياً. وعزم وست على برهنة أن المسيح لم يُقم من قبره!
والتقيا بعد وقت لدراسة ما وصلا إليه، فإذا كُلٌّ منهما قد اكتشف عكس ما كان يريد إثباته، فكتبا كتاباً عنوانه: ملاحظات على تاريخ قيامة المسيح وبراهينها وكتبا على غلافه لا تلوموا قبل أن تفحصوا الحقائق. (6) وقد ذكرا فيه: إن الأدلة قاطعة أنه في اليوم الثالث قام يسوع من بين الأموات. وهي نفس النتيجة التي وصل إليها لورد دارلنج كبير قضاة إنجلترا، ففي إحدى المآدب دار الحديث حول صحة المسيحية، وبخاصة موضوع القيامة... فقال لورد دارلنج بكل مهابة وحزم: نحن المسيحيين مطالبون بأن نقبل أشياء كثيرة بالإيمان، مثل تعاليم يسوع ومعجزاته. ولو كان علينا أن نقبل كل شيء بالإيمان، لراودني الشك، ولكن ذروة المسألة هي ما يختصّ بحقيقة: هل عاش يسوع فعلاً وماذا قال عن نفسه؟ وكل ذلك يستند إلى حقيقة القيامة، فعلى هذه الحقيقة يرتكز إيماننا، والأدلة على هذه الحقيقة أدلة قاطعة حاسمة إيجابياً وسلبياً، سواء من جهة الوقائع أو الظروف، حتى أنه لا يوجد رجل قانون عاقل يتردد في الحكم بصحة قصة القيامة.
3 - شهادة آباء الكنيسة الأولين:
احتلَّت القيامة المكانة الثانية بعد مكانة تجسُّد المسيح في كتابات آباء الكنيسة. ولقد دلل الآباء الأولون على صحة القيامة منذ بدء المسيحية، فذكرها أكليمندس الروماني في رسالته إلى كورنثوس (95 م). كما أوردتها كل قوانين الإيمان ولم يعارضها أحد.
وقال إغناطيوس (50 - 115 م) إن المسيحية هي الإيمان بالمسيح والمحبة له، الإيمان بآلامه وقيامته وهو يدعو كل مسيحي ليقتنع اقتناعاً عميقاً بالميلاد والآلام والقيامة ويقول إن رجاءنا هو قيامة المسيح، لأن قيامته وعد بقيامتنا. ويقول أغناطيوس إن الكنيسة تفرح بآلام المسيح وقيامته، ويقول إن القيامة كانت بالروح وبالجسد (7).
وفي رسالة بوليكاربوس لأهل فيلبي (حوالي 110 م) يتحدث عن المسيح الذي احتمل حتى الموت لأجل خطايانا، ولكن اللّه أقامه ناقضاً أوجاع الموت ويقول: إن اللّه أقام ربنا يسوع من الأموات وأعطاه مجداً، وعرشاً عن يمينه، وأخضع له كل ما في السماء والأرض والمسيح المقام آت ليدين الأحياء والأموات وإن الذي أقامه من الأموات سيقيمنا نحن أيضاً، إن كنا نفعل مشيئته ونسلك في وصاياه. وكانت صلاة بوليكاربوس الأخيرة قبل استشهاده أن يكون له نصيب في عداد الشهداء في كأس المسيح، إلى قيامة الحياة الأبدية للروح والجسد في عدمفساد.
أما حديث جستن الشهيد عن القيامة (100 - 165 م) فهو دفاع عن العقيدة المسيحية، وكان معاصروه يقولون إن القيامة مستحيلة، بل إنها غير مطلوبة، لأن الجسد هو مصدر الشر، بل أنها غير معقولة لأنه لا معنى لاستمرار أعضاء الجسد. وكان المعاصرون يقولون إن قيامة المسيح شُبِّهت لهم، ولكنها لم تكن حقيقة بالجسد. وجاوب جستن على هذه الأفكار، ودحضها.
أما ترتليان فقد كان مدافعاً عن المسيحية (160 - 165 م) وكتب باللغتين اليونانية واللاتينية في جميع فروع الثقافة من قانون وسياسة وبلاغة. وبعد أن عاش ثلاثين أو أربعين سنة في حياة الخلاعة، اعتنق المسيحية ضد الوثنيين واليهود والهراطقة. وكان مدافعاً قوياً عن الإيمان.