هرطقة أبوليناريوس Apollinarius أسقف اللاذقية Laodicea (390) :
لقد حوّل أبوليناريوس تعليم ثلاثية تكوين الإنسان trichotomy من سيكولوجية أفلاطون إلى كريستولوجى، فقال: كما أن الإنسان العادى مكوَّن من جسد ونفس وروح، هكذا يسوع المسيح هو مكوّن من جسد ونفس والكلمة (اللوغوس). وفى رأيه أن الكلمة قد حل محل الروح واتحد بالجسد والنفس لتكوين الاتحاد.
لم يتصور أبوليناريوس إمكانية وجود نفس إنسانية عاقلة فى المسيح فى وجود الله الكلمة الذى هو روح والذى هو العقل الإلهى منطوق به. ربما تصوّر أبوليناريوس أن النفس الإنسانية العاقلة تعنى بالضرورة شخصاً بشرياً متمايزاً عن شخص الله الكلمة. بمعنى أنه خلط بين مفهوم الشخص الذى هو مالك الطبيعة، ومفهوم العقل الذى هو أحد خواص الطبيعة التى يملكها الشخص، أى أنه اعتبر أن الشخص هو العقل. وأراد بإلغاء الروح الإنسانية العاقلة أن يؤكّد أن شخص كلمة الله هو الذى تجسد وهو هو نفسه يسوع المسيح. بمعنى أن كلمة الله لم يتخذ شخصاً من البشر بل اتخذ جسداً ذا نفس بلا روح عاقلة. وبهذا تتحقق -فى نظره- وحدة الطبيعة فى المسيح الكلمة المتجسد وعصمته من الخطيئة.
وقد تصوّر البعض أن القديس أثناسيوس الرسولى فى القرن الرابع قد تأثر بفكر وتعليم أبوليناريوس فى تعاليمه الكريستولوجية. ولكن القديس أثناسيوس قد شرح هذا الأمر باستقامته المعروفة فى التعليم فى رسالته إلى أبيكتيتوس. وقال أن عبارة القديس يوحنا الانجيلى أن "الكلمة صار جسداً" (يو1: 14) تعنى أن "الكلمة صار إنساناً" وأن السيد المسيح قد اتخذ طبيعة بشرية كاملة من جسد وروح عاقلة. فقال القديس أثناسيوس: [ لأن القول "الكلمة صار جسداً" هو مساو أيضاً للقول "الكلمة صار إنساناً" حسب ما قيل فى يوئيل النبى "إنى سأسكب من روحى على كل جسد" لأن الوعد لم يكن ممتداً إلى الحيوانات غير الناطقة، بل هو للبشر الذين من أجلهم قد صار الرب إنساناً].
وقال أيضاً فى نفس الرسالة: [إلا أن خلاصنا، فى واقع الأمر، لا يعتبر خيالاً، فليس الجسد وحده هو الذى حصل على الخلاص، بل الإنسان كله من نفس وجسد حقاً، قد صار له الخلاص فى الكلمة ذاته].
إدانة هرطقة أبوليناريوس :
أدانت عدة مجامع مكانية فى روما (377م)، والإسكندرية (378م)، وأنطاكية (379م) تعاليم أبوليناريوس. ثم أدين فى المجمع المسكونى الثانى الذى انعقد فى القسطنطينية (381 م).
كان رأى آباء مجمع القسطنطينية أن السيد المسيح له نفس إنسانية عاقلة لأنه جاء لخلاص البشر وليس لخلاص الحيوانات. وأنه كان ينبغى أن تكون للمسيح إنسانية كاملة لكى يتم افتداء الطبيعة الإنسانية. وأن الروح البشرية مثلها مثل الجسد فى حاجة إلى الفداء وهى مسئولة عن سقوط الإنسان. فبدون الروح البشرية العاقلة كيف يكون الإنسان مسئولاً مسئولية أدبية عن خطيئته؟ فالروح البشرية أخطأت مع الجسد وتحتاج إلى الخلاص، ولهذا يجب أن يتخذها كلمة الله مع الجسد لأن ما لم يتخذ لا يمكن أن يخلص، كما قال القديس غريغوريوس النازيانزى عبارته المشهورة ضد أبوليناريوس فى رسالة إلى الكاهن كليدونيوس "لأن ما لم يتخذه (الله الكلمة) فإنه لم يعالجه؛ ولكن ما تم توحيده بلاهوته فهذا يخلص".
بمعنى أن ما لم يُتَخَذ بواسطة الله الكلمة لا يخلص. أى إذا اتخذ الله الكلمة جسداً فقط فإن الجسد هو الذى سيخلص، وإذا اتخذ جسد وروح سيخلص الجسد والروح.
إن أهم ما شغل الآباء ضد الأبولينارية هو "أن النفس الإنسانية العاقلة، بقدرتها على الاختيار، كانت هى مقر الخطيئة (كرسى الخطية seat of sin)؛ ولو لم يوحّد الكلمة هذه النفس بنفسه، فإن خلاص الجنس البشرى لم يكن ممكناً".
أى أن الآباء يعتبرون أن الروح الإنسانى العاقل فى الإنسان هى الجوهر الأقوى، وهو القادر على اتخاذ القرار، فى أن يعيش الإنسان فى الخطية أو أن ينفّذ وصايا الله. فيقول الكتاب "إن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيوْن" (رو8: 13). ولأن الشخص فى الإنسان مرتبط بالروح العاقل، فالروح العاقل هو الذى يتخذ القرار. والجسد عندما يموت لا يضيع الشخص بل يظل موجوداً مع الروح. مثال لذلك القديسين الذين استشهدوا أو انتقلوا فإن أرواحهم مع أشخاصهم مازالت موجودة وتظهر وتتحرك وتعمل المعجزات. فالجسد يموت ولكن يبقى الروح حى، وبما أن الكيان الحى الذى لا يموت فى الإنسان هو الروح لذلك فإن الشخص مرتبط به.
وكذلك فى تجسد الله الكلمة: فإن الشخص كان مرتبطاً باللاهوت، لذلك فإن روحه الإنسانى لم يكن شخص وكذلك جسده لم يكن شخص. إنما شخصه هو فى الجوهر الأسمى الذى يجمع الثلاثة طبائع معاً أى طبيعة اللاهوت مع طبيعة الروح الإنسانى وطبيعة الجسد.
الإنسان له طبيعتان يكوِّنان طبيعة واحدة، لذلك فالشخص موجود مع الروح الإنسانى الذى هو الجوهر الأسمى فى الإنسان، أما فى المسيح فالجوهر الأسمى هو اللاهوت لذلك فهو شخصه، ويجمع الروح والجسد الإنسانى فى نفس هذا الشخص الواحد.
إن الشخص هو مالك الطبيعة ومالك الجوهر ومالك الكيان، هو صاحب الـ (الإيجو) أى "الأنا". وفى حالة الكلمة المتجسد الذى يقول "أنا" هو الذى تجسد، واللاهوت لاهوته هو. ولأن الله الكلمة هو نفسه اتخذ ناسوتاً وصار إنساناً، وهو نفسه تجسد، فليس محتاجاً لمالك آخر ينافسه، أى ليس محتاجاً لأن يكون لديه اثنين من المُلاك أحدهما يملك الناسوت والآخر يملك اللاهوت. لأنه لو كان الأمر هكذا لصارت مجرد سكنى، لأن وجود اثنين يعنى سكنى الواحد فى الآخر. لكن مثلما تتحد روح الإنسان بالجسد وكلاهما يملكهما نفس الشخص، هكذا فإن لاهوت السيد المسيح متحد بناسوته، وكليهما (اللاهوت والناسوت) يملكهما نفس الشخص، الذى هو شخص الابن الوحيد.
إن عبارة "أن النفس الإنسانية العاقلة، بقدرتها على الاختيار، كانت هى مقر الخطيئة" التى قالها الآباء سببها أن النفس هى التى تختار، وذلك لأن الشخص مرتبط بالروح، فدائماً القرار فى النهاية هو قرار روح الإنسان المرتبط بالشخص، لأن القرار هو قرار شخصى personal decision.
أما بالنسبة لنداء الطبيعة فإن الجسد له نداء والروح لها نداء، وهذه تسمى الرغبة desire. وهناك فرق بين الرغبة desire والقرارdecision ، فالرغبةdesire هى مثلما يريد الجسد أن ينام مثلاً، لكن القرار هو أن يسهر ولا ينام، فالـرغبة قد لا تنفَّذ. لذلك علّمنا الكتاب ألا نسلك بحسب رغبات الجسد بل رغبات الروح حتى نصل إلى الكمال.
إن رغبات الجسد لا تعتبر خطية فى جميع الأحوال. فمثلاً حينما يعطش الجسد أو يجوع فهذه ليست خطايا. أما فى حالة الصوم فيمتنع الإنسان حتى عن الطعام والشراب. وعندما صام السيد المسيح على الجبل أربعين يوماً وأربعين ليلة "جاع أخيراً" أى أن الجسد بدأ يطلب الطعام. لكن السيد المسيح قال "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت4:4). ولما أكمل التجارب بعد صومه عنا وانتصاره لأجلنا، جاءت الملائكة وصارت تخدمه وأتت له بكل ما يحتاج إليه.
السيد المسيح فى تجسده كانت له رغبات إلهية –وهذا شئ طبيعى- بالإضافة إلى الرغبات الإنسانية التى تمثلها رغبات الجسد وأيضاً الروح الإنسانى. فعندما قال "لتكن لا إرادتى بل إرادتك" (لو 22: 42) كان يقصد لتكن لا رغباتى الإنسانية بل مشيئتك ورغبتك الإلهية التى هى نفسها مشيئتى ورغبتى الإلهية، أما القرار فقد كان قبول الصليب. وهو لم يقل "ليكن لا قرارى بل قرارك" بل "لتكن لا رغبتى بل رغبتك".
وكلمة "مشيئتى" تُفسَر بمعنيين: بمعنى الرغبة وبمعنى القرار. ولذلك من الممكن أن يقول أحد المعنيان فى جملة واحدة، مثلما يقول: (أنا أريد أن أشرب ولكنى لا أريد أن أشرب) هنا أريد الأولى تعنى أرغب، وأريد الثانية تعنى أقرر. بمعنى إنى أرغب فى الشرب ولكنى قررت ألا أشرب لأنى صائم.
إن كلمة "مشيئة" لها معنيان وهما الرغبة والقرار، ومن الممكن أن تستخدم بالمعنيين. ومن هنا جاء الصراع الطويل فى موضوع المشيئة والمشيئتين. ولم يكن من داعى لكل هذا الصراع، فكل طبيعة من طبيعتى السيد المسيح المتحدتين لها رغباتها الطبيعية وتسمى natural wills ولكن السيد المسيح لم يكن لديه two personal wills لأنه شخص واحد. وهاتان الرغبتان الطبيعيتان اتحدتا معاً مثلما اتحدت الطبيعتان وكونتا طبيعة واحدة من طبيعتين، دون أن تذوب الواحدة فى الأخرى.
الرغبات الطبيعية أيضاً فى السيد المسيح لم يكن بينهما انفصال أو انقسام، ولم تلغى الواحدة الأخرى. ومثلما استمر الجسد قابل للموت واللاهوت غير قابل للموت بعد الاتحاد، هكذا استمرت الرغبات الطبيعية والرغبات الإلهية فى المسيح بعد الاتحاد، بدون انفصال يجعل الواحدة منهما تعمل ضد الأخرى. ولذلك فإننا نقول فى القداس الإلهى: "باركت طبيعتى فيك".
وقد جعل السيد المسيح رغباته الإنسانية دائماً خاضعة وطائعة لرغباته الإلهية، بحيث أن الرغبة الإلهية دائماً فى النهاية هى التى تُنَفَّذ. لذلك يقول الكتاب "مع كونه إبناً تعلم الطاعة مما تألم به" (عب5:
أى أنه درب طبيعتنا البشرية فى شخصه على أن تكون دائماً مطيعة للآب السماوى، خاصة فى مرحلة الآلام حيث بلغت الطاعة ذروتها "أطاع حتى الموت موت الصليب" (فى2:
.
ردود الفعل ضد الأبولينارية :
ظهرت ردود الفعل ضد الأبولينارية فى نفس منطقة أبوليناريوس (سوريا) فى شخص ديودور أسقف طرسوس (توفى 394م) Diodore of Tarsus وثيئودور الموبسويستى فى كيليكيا (فى شمال سوريا، عند التقاء تركيا بسوريا) (توفى 428م) Theodore of Mopsuestia in Cilicia.
ديودور الطرسوسى :
إدّعى ديودور أن اللاهوت سوف ينتقص إذا كوّن الكلمة والجسد اتحاداً جوهرياً substantial (أو أقنومياً) مشابهاً لذلك الذى ينتج عن اتحاد الجسد والنفس (العاقلة) فى الإنسان.
فى رد فعله على ذلك (أى على فكرة تكوين الكلمة والجسد اتحاداً جوهرياً) قادته نظريته الخاصة إلى الفصل بين اللاهوت والناسوت، وهذا أوصله إلى التمييز بين ابن الله وابن داود. وقال إن الكتب المقدسة تضع حداً فاصلاً بين أفعال الابنين.. فلماذا يحصل من يجدفون على ابن الإنسان على الغفران، بينما من يجدفون على الروح (الروح القدس) لا يحصلون على الغفران؟
فتش ديودور فى الكتاب المقدس كله على آية واحدة واخترع منها هرطقة. مع أن السيد المسيح مثلاً قال "إن ابن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه" (مت16: 27)، وهو فى هذا القول لم يفرِّق بين ابن الإنسان وابن الله. فمع أن عبارة "مجد أبيه" تدل على أنه ابن الله، إلا أنه ذكر فى بداية القول عبارة "ابن الإنسان" ولم يفصل بينهما.
يفسر ديودور الطرسوسى قول السيد المسيح "كل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، وأما من جدَّف على الروح القدس فلا يغفر له" (لو 12: 10) بأن ابن الإنسان ليس اللاهوت أما ابن الله فهو اللاهوت، لذلك فإن من يجدّف على ابن الإنسان يجدف على الناسوت وليس اللاهوت.
لكن هذه الآية فى الحقيقة لا تعنى ذلك على الإطلاق، بل تعنى أنه حيث أن الروح القدس هو الذى يبكت الإنسان على الخطية، لذلك إذا جدَّف الإنسان على الابن سيغفر له لو تاب بواسطة تبكيت الروح القدس له، أما إذا جدف على الروح القدس فهذا يعنى أنه سيرفض عمل الروح القدس فيه، فمن الذى سيقوده إلى التوبة حينئذ؟! ومن الذى سيرشده إلى معرفة الحق. قال السيد المسيح "متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق" (يو16: 13). أما الذى يجدف على الروح القدس فلن يجد أحد يعرِّفه بحقيقة المسيح. الذى يجدّف على المسيح بعد فترة من الممكن أن يرشده الروح القدس، ويرجع إلى طريق الصواب ويكتشف خطأه. مثال لذلك: بولس الرسول الذى قال له السيد المسيح "أنا يسوع الذى أنت تضطهده" (أع9: 5). هو يسوع واحد، وكان بولس يضطهده فى كل الاتجاهات، فقد كان يفترى عليه، ويقول أنه ليس ابن الله. فهل كانت حرب بولس الرسول فى اضطهاده للمسيحية هى حرب ضد ابن الإنسان فقط؟ وقد كان بولس أيضاً ينكر أن المسيح هو الله. مثل جميع اليهود الذين أرادوا أن يقتلوا السيد المسيح لأنه قال أن الله أبوه معادلاً نفسه بالله (انظر يو5: 18). (إذاً فالتجديف على ابن الإنسان معناه إنكار تجسد الله الكلمة ومساواته للآب).
ثيئودور الموبسويستى :
أراد ثيئودور الموبسويستى أن يؤكد الإنسانية الكاملة للمسيح، واعتبر أن الإنسانية الكاملة لا تتحقق إلا إذا كان المسيح شخصاً إنسانياً لأنه اعتقد أنه لا وجود كاملاً بلا شخصية. وبهذا لم يكتفِ بتأكيد وجود طبيعة إنسانية كاملة للسيد المسيح، ولكنه تمادى إلى تأكيد اتخاذ الله الكلمة لإنسان تام يستخدمه كأداة لخلاص البشرية واعتبر أن الله الكلمة قد سكن فى هذا الإنسان بالإرادة الصالحة (good will)، وأنه قد اتحد به اتحاداً خارجياً فقط. واستخدم عبارة اتصال conjoining- بدلاً من كلمة اتحاد õ union . وبهذا فقد جعل فى المسيح شخصين أحدهما إلهى والآخر إنسانى وقد كونا معاً شخصاً واحداً هو شخص الاتحاد (اتحاد خارجى) مشبهاً إياه باتحاد الرجل بالمرأة.
قال المؤرخ هيفلى C.J. Hefele: [ثيئودور فى خطئه الجوهرى.. لم يحفظ فقط وجود طبيعتين فى المسيح، إنما شخصين أيضاً، وهو نفسه قال ليس هناك كيان subsistence يمكن أن يظن أنه كامل بدون شخصية. لكن كما أنه لم يتجاهل حقيقة أن ضمير الكنيسة قد رفض هذا الازدواج فى شخصية المسيح، إلا أنه سعى إلى التخلص من الصعوبة وكرر القول صريحاً: "إن الطبيعتين اللتين اتحدتا معاً كونتا شخصاً واحداً فقط، كما أن الرجل والمرأة هما جسد واحد.. فإذا أمعنا الفكر فى الطبيعتين فى تمايزهما يجب علينا أن نعرف طبيعة الكلمة على أنه كامل وتام، وكذلك شخصه. وأيضاً طبيعة وشخص الإنسان على أنها كاملة وتامة. وإذا -من ناحية أخرى- نظرنا إلى الاتصال نقول أنه شخص واحد" . إن نفس صورة الوحدة بين الرجل وزوجته تبيِّن أن ثيئودور لم يفترض اتحاداً حقيقياً لطبيعتين فى المسيح، ولكن تصوره كان لصلة خارجية بين الاثنين. علاوة على ذلك فإن التعبير "اتصال" conjoining - الذى يختاره هنا بدلاً من كلمة "اتحاد" union V.. مشتق من ) الراقصين الممسكين بأيدى بعضهم البعض فى شكل دائرة - أى يصل بعضهم بالبعض الآخر) تعبر فقط عن ارتباط خارجى، وتوطد معاً. لذلك فهو مرفوض بوضوح.. بواسطة علماء الكنيسة.]
ثيئودور الموبسويستى يتكلم عن اتحاد الله الكلمة بالإنسان يسوع وليس اتحاد اللاهوت بالناسوت، ويقول إنه اتحاد فى الكرامة والسلطة والمشيئة، وإنه اتحاد خارجى فى الصورة. لكنه عندما يتكلم عن العلاقة بين الطبيعتين يقول "اتصال". وعندما يتكلم عن الله والإنسان يقول "اتحاد" لكنه يصف نوع هذا الاتحاد فيقول عنه أنه اتحاد خارجى فى الصورة الخارجية. أما عن اللاهوت والناسوت فيقول "اتصال" وليس "اتحاد"، ويعتبر أن الروح الإنسانى هو حلقة الاتصال بين اللوغوس وبين الجسد.
حرم المجمع المسكونى الخامس 553م ثيئودور الموبسويستى وتعليمه وكان ضمن ما قيل ضده هو أن استخدامه تشبيه اتحاد الرجل بالمرأة عن اتحاد الله الكلمة بالإنسان يسوع يعتبر وقاحة. وكان ضمن ما قاله ثيئودور أيضاً أن توما الرسول حينما قال "ربى وإلهى" (يو20: 28) لم يقلها بمعنى أن المسيح هو ربه وإلهه، إنما قالها من شدة الانبهار، مثلما يرى إنسان كنزاً من الجواهر أو حادث أليم.
كنا نحن قد حرمنا ثيئودور قبل ذلك التاريخ بزمان لأننا فى حرمنا للنسطورية حرمنا نسطور وتعليمه وكل ما يمت إليها بصلة. أما المجمع الخامس 553م فقد عقد لإرضاء كنائسنا، إذ حاول الإمبراطور أن يصالح الخلقيدونيين مع اللاخلقيدونيين. فحرم هذا المجمع كتابات ثيئودور الموبسويستى وثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها التى تسمى Three chapters controversies (صراع الفصول الثلاثة). أى أنهم عملوا فى المجمع الخامس ما كان يجب عمله فى مجمع خلقيدونية وكان سبباً فى اعتراضنا عليه. كان ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها (435-457م)، الذين كتبا ضد القديس كيرلس عامود الدين وضد التعليم الأرثوذكسى، كتب إيباس أسقف الرها رسالة إلى ماريس الفارسى ضد تعاليم القديس كيرلس الكبير، ولهذا فقد حرمه المجمع الثانى فى أفسس 449م برئاسة البابا ديسقورس. وللأسف حاللـه البابا لاون الأول بابا روما قبل انعقاد مجمع خلقيدونية. وفى خلقيدونية قُبل فى الجلسة الثامنة للمجمع بعد أن وقّع على حرم نسطور، ولكن قرئت رسالته ولم يتم حرمها، وإنما تم ذلك فى المجمع التالى فى القسطنطينية 553م لمحاولة إصلاح صورة الخلقيدونيين.
ففى هذا المجمع تم حرم كتابات ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها ضد تعاليم القديس كيرلس الكبير، كما تم حرم ثيئودور الموبسويستى وتعاليمه. وللأسف فإن إيباس قد اعتلى كرسى الرها بعد نياحة الأسقف القديس رابولا Rabula من أقوى المدافعين عن تعليم القديس كيرلس الكبير.
ففى خلقيدونية قد تم عزل البابا ديسقوروس وإلغاء الحرومات التى وضعها على ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها. فأصبحت أمامنا المشاكل التالية: أنهم فى مجمع خلقيدونية لم يحرموا شخص وتعليم ثيئودور الموبسويستى، وكذلك تعاليم ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها التى هى ضد تعليم القديس كيرلس عامود الدين. هذا بالإضافة إلى عزل البابا ديسقوروس، وأنهم لم يتكلموا عن الطبيعة الواحدة التى علّم بها البابا كيرلس الكبير، كما أنهم لم يذكروا الاتحاد الأقنومى. قالوا أن المسيح هو أقنوم واحد لكنهم لم يذكروا شئ عن الاتحاد الطبيعى أو الأقنومى. فاعتبرنا أن مجمع خلقيدونية تشوبه شبهة النسطورية خاصة فى قبوله لاثنين من أكبر أعداء الأرثوذكسية، كانا قد حُرما بواسطة مجمع مسكونى برئاسة بابا الإسكندرية، ثم حاللهم لاون الأول بابا روما قبل مجمع خلقيدونية، وضغط على المجمع حتى يدخلهما إليه ويشركهما فيه، إذ أجبر جنود الإمبراطور المجمع على قبولهما. وكان القديس كيرلس الكبير قد عانى الكثير بسببهما، بل كان الشقاق بين القديس كيرلس ويوحنا الأنطاكى بسبب ثيئودوريت أسقف قورش الذى كتب اثنا عشرة حرماً ضد حرومات القديس كيرلس عامود الدين. وحينما أمر الإمبراطور بحرق كتب نسطور كانت هناك موجة فى الشرق تتجه إلى كتابات ثيئودور الموبسويستى الذى يعتبر أب لنسطور ومعلمه ونشرت كتاباته.