منذ أكثر من ثلاثماية سنة، والمحاولات تُبذل لإخضاع كنيسة المسيح لحفظ السبت. ففي العام 1664 ظهرت جماعة من المجتهدين في تفسير الكتاب المقدس، سمّوا أنفسهم بالسبتيّين، نظراً لمناداتهم بحفظ السبت. ولكن بعد فترة من الزمن، أطلقوا على فرقتهم اسم «الأدفنتيست»، وذلك لكي يظهروا أنّ لها جذوراً في النبوات. ولكن هذا الاسم، الذي حرص أصحابه أن يكسب لهم صفة شرعية، لا يمكن أن يغير شيئاً من حقيقة كون السبتية رجوعاً إلى أركان اليهودية الضعيفة.
الواقع أنّ السبتية في تشبُّثها بحرفية السبت، ليس فقط تسلب من معتنقها الحرية التي اشتراها له المسيح بدمه، بل أيضاً تطلب منه بطريقة غير مباشرة الاعتقاد بأنّ ذبيحة المسيح، لا تكفي لخلاصه، إن لم يحفظ ناموس السبت. ولكن حفظ ناموس السبت هي محاولة إبطال لذبيحة المسيح، وتراجع عن ناموس روح الحياة في المسيح، الذي يعتق كل مؤمن به من ناموس الخطية والموت.
قال الرسول بولس: «إِنَّ ٱلْحَرْفَ يَقْتُلُ» (2كورنثوس 3: 6). وقد عبّر عنه بخدمة الموت وخدمة الدينونة، لأن لا دم كفارة فيه. فهو يدين المخالف، ولا يغفر له. ولكن شكراً لله لأجل خدمة الروح. فإنّ الروح يُحيي، وقد قال المسيح: «ٱلْكَلاَمُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ» (يوحنا 6: 63) فكلام المسيح يهبنا حياة أبدية، هنا في الدنيا، وحياة أبدية في الآخرة.
لقد أنار الرب يسوع بقيامته الحياة والخلود، وأعلن أنّ عمله الخلاصي هو غاية الناموس، لأجل الذين يؤمنون. وأعطى عهد حياة نصرة وحرية وقداسة وحق. وهذا العهد هو ناموس روح الحياة، الذي أعتق كل من قبل خلاص الله في المسيح، من سلطة الخطية والموت. وتبعاً لذلك صار القول الرسولي: «لأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِٱلْجَسَدِ، فَٱللّٰهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ» (رومية 8: 3 و4).
حين تأثر الغلاطيون بتعاليم بعض المعلمين من أصل يهودي، وأقاموا الفرائض الناموسية، حسب الرسول بولس تصرفهم نوعاً من الارتداد، إذ قال: «إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هٰكَذَا سَرِيعاً عَنِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ ٱلمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ. لَيْسَ هُوَ آخَرَ، غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ ٱلْمَسِيحِ. وَلٰكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْناكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا» (غلاطية 1: 6-
... «أَهٰكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ٱبْتَدَأْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُكَمِّلُونَ ٱلآنَ بِٱلْجَسَدِ؟» (غلاطية 3: 3) «وَأَمَّا ٱلآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ ٱللّٰهَ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ عُرفْتُمْ مِنَ ٱللّٰهِ، فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضاً إِلَى ٱلأَرْكَانِ ٱلضَّعِيفَةِ ٱلْفَقِيرَةِ ٱلَّتِي تُرِيدُونَ أَنْ تُسْتَعْبَدُوا لَهَا مِنْ جَدِيدٍ؟ أَتَحْفَظُونَ أَيَّاماً وَشُهُوراً وَأَوْقَاتاً وَسِنِينَ؟ أَخَافُ عَلَيْكُم أَنْ أَكُونَ قَدْ تَعِبْتُ فِيكُمْ عَبَثاً!» (غلاطية 4: 9-11).
«فَٱثْبُتُوا إِذاً فِي ٱلْحُرِّيَّةِ ٱلَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا ٱلْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضاً بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ... قَدْ تَبَطَّلْتُمْ عَنِ ٱلْمَسِيحِ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِٱلنَّامُوسِ. سَقَطْتُم مِنَ ٱلنِّعْمَةِ... كُنْتُمْ تَسْعَوْنَ حَسَناً. فَمَنْ صَدَّكُمْ حَتَّى لاَ تُطَاوِعُوا لِلْحَقِّ؟ هٰذِهِ ٱلْمُطَاوَعَةُ لَيْسَتْ مِنَ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ» (غلاطية 5: 1-
.
الواقع أنّ السبتية هي ضد الحرية المجيدة التي اقتناها المسيح بدمه لجميع أولاد الله، وذلك وفقاً لنعمته المتفاضلة جداً.