الأخوين نَدْرة وعبد المسيح حَدّاد
( من أدباء حمص في المهجر )
المهندس جورج فارس رباحية
ندرة بن رشيد حدّاد وُلِدَ في حمص عام 1881 وتلقّى علومه في مدارسها ثم هاجر إلى نيويورك عام 1897 وكان هو وأخوه عبد المسيح من مؤسّسي الرابطة القلمية والعاملين في حقلـها ، ولهما أثر مرموق في أدب المهجر الذي غَذّاه بشِعره الرقيق بينما كان يعمل موظّفاً في بنك لبنان الوطني . كان عفيف القلب واليد واللّسان وقدوة تُحْتذى في نظافة الوجدان . كان شعره مرآة نفسه عذوبة وبساطة ونعومة وصفاء . وقال عنه حنا خباز في كتابه ( حول الكـــرة الأرضية ) حين قابله في نيويورك عام 1919 أثناء تجواله حول العالم : انه شاعر هادىء الروح بعيد جداً عن الفضول . كان يميل إلى الإيجاز في القول . متعبِّد صوفي النزعة بعيد عن التعصّب المذهبي ، ويُبشِّر برسالة الحب الإنساني . وكان يتّسم بطابع المحافظين لغـة وبطابع المُجدّدين تلاعباُ بالأوزان ، كما أُولعَ بالبحور القصيرة المُجَزّأة .
اعتلَّت صحّته وصحة جيبه في السنين الأخيرة من حياته ولكنها لم تؤثّر على بشاشته ولا
على إبائه وكان القلق يرتسم على ملامحه ويهمس في حديثه . وكانت وفاته عام 1950 فجأة في حفلة عرس بعد أن أنشد فيها شعر التهاني . له ديوان ( أوراق الخريف ) وكان يكتب في جريدة ( السائح ) التي أسّسها شقيقه عبد المسيح عام 1912 في نيويورك .
ونورد أدناه مقتطفات من شِعره :
1 ـ من قصيدته الحنين الى الوطن :
أيّها الآتي من الأوطـــان والأوطــان حلــوة
لم أجد عنها وإن طال زمان البعــد سلــــوى
وطن أصبـح مــذ فارقته في القلب جــــذوة
2 ـ من قصيدة يصف فيها النَفْس :
هي سر غامض أو مبـتدا جهل الإنسان منه خبــره
ظنّها بعضـهم مــعرفة أخطأوا. لم تك إلاّ فــكره
ليس يدري غير من أبدعها ما مصير النفْس بعد المقبره
قوة تحمل ذا الكــون كما يحمل اللاّعب في الكفّ الكره
ضلّ من يُنشدها في جامـع ضلّ من يُنشدها في أديِـره
إنّ نفْساً حاربت أهواءهـا هي نفْس خلقت منتصـره .
3 ـ من قصيدته ( أنا إن مُتّ ) :
أنا إن مُتّ بأرض ماتت الأحرار فيهــا
وقضى في الذود عنها كل شهم من بنيها
ـــــ
وإذا متّ بأرض تخـــرج القوم أُسودا
تدفع الأبنـاء في المجد إلى الحرب جنودا
وإذا ما مات منهم بطــــل كان شهيدا
4 ـ من قصيدة يصف فيها ليلة ساهرة :
ونجومها في الأفق ترقبنا سهرانة ، تبدو كـحرّاس
ياليتــها تبقى ، ويتركنا وجه الصّباح وأوجه الناس
======================
عبد المسيح بن رشيد حدّاد ، وُلِدَ في حمص سنة 1888وهو شقيق ندرة حداد وتلقّى علومـه الإبتدائيــة في المدرسة الأرثوذكسية ، ثم انتقل إلى دار المعلّمين الروسية في الناصرة عام 1904 وتخرّج منها ثم عاد إلى حمص وتابع دراسته في المدرسة الإنجيلية ودرس اللغةالإنكليزية على يد الأستاذ خليل الخوري شقيق العلاّمة فارس الخوري ثم عمل في تدريس اللغة الإنكليزية في مدارس حمص .
هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1907 والتحق بشقيقه ندرةحداد. وفي عام 1912 أصدر جريدة ( السّائح ) باللغةالعربية التي أصبحت لسان ( الرابطة القلمية ) التي أسّســها عام 1920 في نيويورك واستمرّ في إصدارها حتى عام 1959 مــع زملائه أعضاء الرابطة القلمية مثل : جبران خليل جبران ، إيليا أبو ماضي ، ندرة حداد ، رشيد أيوب ، ميخائيل نعيمة ، أمين الريحاني ،نسيب عريضة ،وليم كاتسفليس ، فيليب حتّي ، المطران أنطونيوس بشير وحبيب كاتبــة وأمثالهم .
وتبارت أقلام هؤلاء الأدباء على صفحات جريدته ( السّائح ) وبرز كل واحد منهم فــي
ناحية من نواحي العبقرية : عبد المسيح حداد في حكاياته المهجرية ،جبران في روحانيّاتــه
،عريضة في حنينه وعاطفيّاته ،نعيمة في فلسفيّاته وأبو ماضي في شعره التأمّلي وهكذا...
وكانت الجريدة في كل عام تُصدر عدداً أدبياً خاصاً يحمل إنتاج المهجريين .زار البرازيل والأرجنتين وتشيلي في أواسط عام 1948 ألقى خلالها سلسلة من المحاضرات في محافلها ونواديها عاش عبــد المسيح حداد في ديار الغربة أكثر من نصف قرن لم ترَ عيناه أرض الوطن حتى عام 1960 حيث دعته الحكومة السورية لزيارة وطنه الحبيب وحلّ في مهبط رأسه حمص عزيزاً مكرَّماً ، عاد بعدها لأميركا وقلبه فرح بما رأى في وطنه من نهضة وتطور في كافة المجالات فأصدر كتاب أسماه ( انطباعات مغترب )استعرض فيه تفاصيل رحلته إلى الوطن. وكان قد وطّد العزم على نشر ما انطوى من آثار الرابطة القلمية وأن يكتب ذكرياته عن زملائه فيهـــا.
لكن لم تتحقّق أمنياته فتوفي مساء الخميس في 17 كانون الثاني سنة 1963 ودفن فـــي نيويورك .وأقامت له الجالية العربية هناك في 20/1/1963 حفلة تأبين حضرها الدكتور جورج طعمة القنصل العام لسورية وممثل الجامعة العربية بنيويورك وأدباء المهجـــر
لعبد المسيح حداد مؤلفات أدبية واجتماعية متعدّدة منها : ( حكايات المهجر ) وكــتاب (انطباعات مغترب) بالإضافة إلى افتتاحيّاته الرائعة لجريدة السائح طيلة 47 عاماً في مختلف شؤون الأدب والنقد والسياسـة والاجتماع .و45 مجلّداً من جريدة السائح التي تمثِّل هرماً أدبياً بناه عبد المسيح حــداد . فحقاً هو شاعر ناقد وأديب مبدع وصحافي بارز ووطني عربي أصــــيل .
حمص في 9/11/2006 المهندس جورج فارس رباحية
المــــراجع :
ـ أدباء المهجر : جورج صيدح 1957
ـ تاريخ حمص الجزء 2 : منير الخوري أسعد 1984
ـ الجذر السكاني الحمصي الجزء 5 : نعيم الزهراوي 2003
ـ أرشيف جريدة حمص
ـ حول الكرة الأرضية : حنا خبّاز 1923