منتدى البروفسور : جوني حنكليس
أهلاً و سهلاً بزوار منتدى البروفسور جوني حنكليس

عزيزي الزائر يمنع استخدام اسم زائف في منتدانا
يُرجى من العضو المسجل الأنتباه إلى ذلك كي لا تحذف عضويته

المدير العام :أ . جوني حنكليس
منتدى البروفسور : جوني حنكليس
أهلاً و سهلاً بزوار منتدى البروفسور جوني حنكليس

عزيزي الزائر يمنع استخدام اسم زائف في منتدانا
يُرجى من العضو المسجل الأنتباه إلى ذلك كي لا تحذف عضويته

المدير العام :أ . جوني حنكليس
منتدى البروفسور : جوني حنكليس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


علمي - ديني مسيحي - ثقافي - اجتماعي
 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
الجميع مدعو للنقاش و الحوار : إلى جميع أعضاء منتدى البروفسور جوني حنكليس أنتم مدعوون للمشاركة في الموضوع الكذب على النفس في نقطة حوار .......أرجو المشاركة >
أجمل مشاركة لليوم ***ياأيها المختال****المقال موجود في مقالات ادبية في قسم واحة الشعر ****شكراً أ . حكمت نايف خولي

جديد جديد جديد قريباً صور من محردة انتظروناااااااااااااااااا

بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» قصة الميلاد
ميلاد الصديق السماوي Emptyالأحد ديسمبر 18, 2022 3:54 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» قصة بابا نويل
ميلاد الصديق السماوي Emptyالأحد ديسمبر 18, 2022 3:52 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» قصة مغارة الميلاد
ميلاد الصديق السماوي Emptyالأحد ديسمبر 18, 2022 3:47 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» القديس يوحنا الذهبي الفم
ميلاد الصديق السماوي Emptyالخميس فبراير 28, 2019 11:36 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» القديس يوحنا الذهبي الفم
ميلاد الصديق السماوي Emptyالخميس فبراير 28, 2019 11:35 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» ماذا تعرف عن الكمأة
ميلاد الصديق السماوي Emptyالخميس فبراير 28, 2019 11:31 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» الليشمانيا
ميلاد الصديق السماوي Emptyالخميس نوفمبر 02, 2017 11:50 pm من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» الكون العجيب
ميلاد الصديق السماوي Emptyالسبت سبتمبر 02, 2017 12:01 am من طرف حكمت نايف خولي

» ليلى العفيفة
ميلاد الصديق السماوي Emptyالأربعاء نوفمبر 23, 2016 2:52 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» ابن الرومي
ميلاد الصديق السماوي Emptyالأربعاء نوفمبر 23, 2016 2:47 am من طرف المهندس جورج فارس رباحية

» هناء وسعادة الانسان
ميلاد الصديق السماوي Emptyالثلاثاء يوليو 26, 2016 12:11 am من طرف حكمت نايف خولي

» كوخ عشتار من
ميلاد الصديق السماوي Emptyالأربعاء يونيو 08, 2016 9:39 pm من طرف حكمت نايف خولي

سحابة الكلمات الدلالية
قارة الوطن المناخية الحركة وجود المحورية الارض الحقل المناخ ماهي التيارات حركات السلاسل الشكل يعمل التصميم الشاطئ العربي المغناطيسي القمر البحرية خريطة الخط المدرسة عناصر جبال
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى : البروفسور جوني حنكليس على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط منتدى البروفسور : جوني حنكليس على موقع حفض الصفحات
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 147 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Bill2017 فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 1670 مساهمة في هذا المنتدى في 1208 موضوع
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 6 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 6 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحث

لا أحد

أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 79 بتاريخ الأربعاء نوفمبر 06, 2024 12:39 pm

 

 ميلاد الصديق السماوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أ . أميرة الأمير
باحث
باحث



عدد المساهمات : 494
نقاط : 1368
السٌّمعَة : 30
تاريخ التسجيل : 03/08/2010
العمر : 37
الموقع : سوريا

ميلاد الصديق السماوي Empty
مُساهمةموضوع: ميلاد الصديق السماوي   ميلاد الصديق السماوي Emptyالأحد أكتوبر 20, 2013 3:26 pm

لوقا 2 - تفسير إنجيل لوقا_تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
ميلاد الصديق السماوي

لم يجد الصديق السماوي له موضعًا في منزل يُولد فيه، فجاءنا في مزود، لكنه فتح أبواب السماء ليسمع البسطاء الصوت الملائكي يهنِّئهم بالفرح العظيم الذي يعّم الشعب. يُدخل به كطفل إلى الهيكل فيفتح عينيّ سمعان الشيخ الذي اِشتهى بفرح أن ينطلق إلى الفردوس بعد إدراكه للنور الذي يُعلن للأمم؛ ويفتح لسان حَنَّة النبيّة بالتسابيح. وفي سن الثانية عشر دخل الهيكل يُبهت الشيوخ بتعاليمه.



1. ميلاد صديقنا


1-7.

2. البشارة للرعاة


8-20.

3. ختان السيِّد


21.

4. تقديم الذبيحة


22-24.

5. تسبحة سمعان الشيخ


25-35.

6. تسبحة حَنَّة بنت فنوئيل


36-38.

7. العودة إلى الناصرة


39-40.

8. يسوع في الهيكل


41-52.

1. ميلاد صديقنا

في الأصحاح السابق رأينا خِطة الله العجيبة بالإعداد لميلاد صديقنا السماوي، فقد انفتحت السماء لتُرسل رئيس الملائكة جبرائيل يبشِّر زكريَّا بميلاد يوحنا السابق للسيِّد، ويبشِّر فتاة الناصرة العذراء بالحبل المقدَّس. امتلأت أليصابات من الروح القدس عند سماعها سلام مريم وابتهج الجنين في أحشائها راكضًا، وانفتح لسان زكريَّا بالتسبيح شاكرًا لله ومباركًا إله إسرائيل، لا من أجل ميلاد يوحنا بل من أجل من جاء يوحنا ليهيئ له الطريق، فقد رأى الآباء والأنبياء الذين رقدوا يتهلَّلون لتحقيق الله وعده المقدَّس بمجيء المسيَّا المخلِّص، والآن يحدّثنا في بساطة عن ميلاد السيِّد، موضَّحا كيف استخدم الله حتى الوسائل البشريّة مثل "الاكتتاب الروماني المصطبغ بالصبغة اليهوديّة"، لتحقيق أهدافه الإلهيّة وإتمام النبوات، إذ يقول الإنجيلي:

"وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يُكتتب كل المسكونة.

وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سوريّة.

فذهب الجميع ليُكتَتبوا كل واحد إلى مدينته.

فصعد يوسف أيضًا من مدينة الناصرة إلى اليهوديّة

إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم،

لكونه من بيت داود وعشيرته"[1-4].

في أيام الإمبراطور كايس أو اكتافيوس كايبياس الذي وهبه مجلس الأعيان لقب "أوغسطس" ويعني باللاتينية "المبجّل" صدر الأمر باكتتاب "كل المسكونة"، أي جميع الدول الخاضعة للدولة الرومانيّة التي كانت تسيطر على العالم المتمدِّن في ذلك الحين. كان هذا أمر لإشباع شهوة عظمة الإمبراطور، ليبرز امتداد نفوذه وسلطته لكي يسنده في جمع الجزيّة. وكان الاكتتاب حسب النظام الروماني يمكن أن يتم في أي موضع دون حاجة لانتقال كل إنسان إلى مدينته التي نشأ فيها. لكن الرومان وقد أرادوا مجاملة اليهود أمروا بإجرائه حسب النظام اليهودي، حيث يسجِّل كل إنسان اسمه في موطنه الأصلي. وهكذا التزم يوسف ومريم أن يذهبا إلى "بيت لحم" في اليهوديّة لتسجيل اسميهما لكونهما من بيت داود وعشيرته.

كان تنفيذ الأمر شاقًا على يوسف الشيخ ومريم الحامل، خاصة وأن المدينة قد اكتظَّت بالقادمين فلم يجدوا موضعًا في فندق، واضطرَّا أن يبيتا في مذود لتلد القدِّيسة مريم هناك. تحقَّق ذلك حسب الظاهر بناء على الأمر الإمبراطوري بالاكتتاب مع حمل سِمة يهوديّة في طريقة تنفيذه، لكن الحقيقة الخفيّة أن ما تم كان بخطة إلهيّة سبق فأعلنها الأنبياء، إذ قيل: "أما أنتِ يا بيت لحم أفراثَة وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (مي 5: 2).

فيما يلي تعليقات بعض الآباء إلى العبارات السابقة:

* "وفي تلك الأيام صدر أمر أوغسطس قيصر بأن يكتتب المسكونة"... [1-3]. وُلد المسيح إذن في بيت لحم في حكم أوغسطس قيصر وكان قد أصدر أمرًا بإحصاء دولته. ولكن قد يسأل سائل: لِم أتى الكاتب الحكيم على ذكر هذه المسائل؟ والجواب على ذلك أنه كان لابد من تعيين الزمن الذي وُلد فيه المخلِّص، فقد ورد "ولا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" (تك 49: 10)، بل وكان يجب تعليمنا أنه لم يكن على بني إسرائيل عند ميلاد الفادي ملك من بيت داود، فقد خضعت اليهوديّة في ذلك العصر لصوْلجان الحكم الروماني.

"لكونه من بيت داود وعشيرته"[4].

أشار الإنجيل المقدَّس إلى نسب يوسف لنقف على تسلسله من داود الملك جدُّه الأعلى، بل وأن هذه الأشياء الجليلة تُثبت أيضًا أن مريم العذراء من سبط يهوذا وإليه ينتسب بيت داود، لأن الشريعة الإلهيّة حصرت الزواج في السبط الواحد بمعنى أن الزوج والزوجة لا يُعقد زواجهما إلا إذا كانا من سبط واحد. ومفسر الحقائق السمائيّة الرسول العظيم بولس يعلن هذا العرف، إذ شهد أن السيِّد "طلع من سبط يهوذا" (عب 7: 14).

"مع مريم امرأته المخطوبة وهي حُبلى"[5].

يقول الإنجيليُّون المقدَّسون أن مريم كانت مخطوبة ليوسف وهذا يدل على أن الحبل تم خلال مدة الخطوبة، وأن عمانوئيل وُلد بمعجزة لا تتَّفق مع النواميس الطبيعيّة المعروفة، لأن مريم العذراء لم تحبل من زرعٍ بشريٍ. وسبب ذلك أن المسيح هو "باكورة الجميع"، هو آدم الثاني، كما ورد في الأسفار المقدَّسة، فقد وُلد بالروح القدس حتى ينقل إلينا بميلاده الروحي النعمة والحق، إذ شاء الله ألا نُسمى بعد أبناء الإنسان بل أبناء الله مخلِّصنا حسب الميلاد الروحي الجديد بالمسيح أولًا، لأنه يتقدَّمنا في كل شيء، كما يقول الحكيم بولس في كو 1: 15[87].

القديس كيرلس الكبير

* ماذا يفيدني هذا الأمر الذي يرويه بخصوص "الاكتتاب الأول" للمسكونة كلها في عهد أوغسطس قيصر، حيث أخذ يوسف مريم زوجته الحامل وذهبا وسط كل العالم ليُسجِّلا في هذا السجل الخاص بالاكتتاب عن مجيء يسوع إلى العالم؟

كان مجيئه يدل على سرٍّ، إذ كان يجب أن يُسجِّل اسم يسوع في هذا الاكتتاب، يسجل مع الكل لكي يخلِّص كل البشريّة ويقدِّسها واهبًا إيَّاهم أن يعيشوا معه في حياة واحدة! كان يريد بهذا السجل أن تُسجَّل أسماء الكل معه في سفر الحياة (في 4: 3)؛ كل الذين يؤمنون به يكتب أسماءهم في السماوات (لو 10: 20) مع القدِّيسين[88].

العلامة أوريجينوس

* ما هي العلاقة بين صدور أمر من سلطة بشريّة وميلاد المسيح إلا الإعلان عن التدبير الإلهي، فقد كان الأمر البشري مصدره المشيئة الإلهيّة، وكان يجب أن ينفذ باسم الملك السماوي لا الأرضي.

هنا يكمن عمل الإيمان باكتتاب النفس... إذ يليق بكل إنسان أن يُكتتب كل أيام حياته في المسيح... هذا الأمر بالاكتتاب لا يصدر عن أوغسطس بل عن المسيح للمسكونة كلها... إذ "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز 23: 1). أوغسطس لم يحكم قبائل الغوط ولا الشعب الأرمني، أما المسيح فيملك على الجميع.

القديس أمبروسيوس

انتقل القدِّيس يوسف مع القدِّيس مريم إلى "بيت لحم" الذي يعني "بيت الخبز"، ليُولد هناك "خبز الحياة". وقد سُجل اسمه مع البشر في الاكتتاب ليشاركنا كل شيء حتى في التعداد يُحسب كواحدٍ منا، إذ قيل: "وأُحصيَ مع آثمة" (إش 53: 12)، فنُحصَى نحن في كتابِه الإلهي، ونُحسب أصدقاؤه. هناك في بيت لحم ولدت العذراء، إذ قيل:

"وبينما هما هناك تمَّت أيامها لتلد.

فولدت ابنها البكر وقمّطته وأضجعته في المذود،

إذ لم يكن لهما موضع في المنزل" [6-7].

فيما يلي تعليقات بعض الآباء على تعبير "ابنها البكر"، وعلى ولادته في مذود.

* هنا نقول إن كل ابن وحيد هو بكر. ولكن ليس كل بكر هو وحيد. فنحن نفهم أن كلمة بكر لا تعني فقط من يتبعه آخرون، ولكنها تعني عمومًا كل من لم يسبقه أحد في الميلاد. فالرب يقول لهرون "كل فاتح رحم من كل جسد يقدَّمونه للرب من الناس ومن البهائم يكون لك. غير أنك تقبل فداء بكر الإنسان وبكر البهيمة النجسة تقبل فداءه" (عد 18: 15). فإنَّ كلام الله يحدّد أن البكر هو كل فاتح رحم. وإلا فإذا كان اللفظ يعني فقط من له إنسانًا أصغر منه فإنَّه يتعذَّر إذن على الكهنة تحديد من هو البكر حتى يولد بعده إنسان آخر، لئلا لا يولد بعده أحد، فلا يُدعى بعد بكر لأنه وحيد!

ويقول الكتاب أيضًا: "وفداؤه من ابن شهر تقبله حسب تقويمك فضة خمسة شواقل على شاقل القدس. هو عشرون جيرة. ولكن بكر البقر أو بكر الضأن أو بكر المعز لا تقبل فداءه. أنه قدسٌ. بل ترش دمه على المذبح..." (عد 18: 16-17). وهكذا تقضي الوصيّة بأن نقدِّس لله كل فاتح رحم من الحيوانات الطاهرة، أما الحيوانات النجسة فإنَّها تُفدى ويُعطى ثمنها إلى الكاهن. فكيف أميز الحيوان البكر؟ أم لعلي أقول للكاهن: من أدراك أن هذا الذي بكر؟! فربَّما يولد بعده آخرون، وربَّما لا يُولد. انتظر حتى يأتي الثاني، وإلا فليس لك عليّ شيء! أليست هذه حماقة يرفضها الجميع، لأن من البداهة أن البكر هو كل فاتح رحم سواء كان له أخوة أم لا؟![89]

القديس جيروم

* معنى ابنها البكر أي أول مولود، فلا يقصد به أنه أخ من بين عدة إخوة، ولكن واحد من بين الأبكار، فإنَّ الأسفار الإلهيّة تستعمل كلمة بكر أو أول في مواضع شتَّى، ولم يقصد بالكلمة إلا واحد فقط، فقد ورد "أنا الأول والآخر ولا إله غيري" (إش 44: 6).

فأُضيفت كلمة أول إلى المولود للدلالة على أن العذراء لم يكن لها ابن سوى يسوع ابن الله على حد قول الوحي "أنا أيضًا أجعله بكرًا أعلى من ملوك الأرض" (مز 89: 27)، ويقول أيضًا الحكيم بولس "وأيضًا متى أُدخل البكر إلى العالم يقول: فلتسجد له كل ملائكة الله" (عب 1: 6).

وكيف دخل المسيح البكر إلى العالم وهو بعيد عن العالم بطبيعته، ويختلف عن الجُبْلة البشريّة بطبيعتها؟

دخله بأن الله صار إنسانًا، ومع أنه ابن الله الوحيد إلا أنه بكر لنا، لأننا جميعنا إخوة له وبذلك أصبحنا أبناء الله.

لاحظوا أن المسيح يُدعى بكرًا بالنسبة لنا. وابن الله الوحيد بالنسبة للإله الواحد، فالمسيح ابن الله الوحيد لأنه كلمة الآب، فليس له إخوة يشاركونه هذه البنوَّة، لأن الابن متَّحد مع الآب، إله واحد لا غيره ولكن المسيح بكر لنا لأنه شاء فنزل إلى مستوى المخلوقات الطبيعيّة، ولذلك تجدون الأسفار الإلهيّة تشير إلى المسيح ابن الله بالقول: "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب" (يو 1: 18). أما إذا استعمل الكتاب المقدَّس كلمة البكر فإنَّ الوحي يفسِّرها بما يبيِّن مضمونها فورد "ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو 8: 29)، وورد أيضًا "بكر من الأموات" (كو 1: 18).

المسيح بكر من الأموات لأنه شاركنا في كل شيء ما عدا الخطيّة ولأنه أقام جسده من فساد الموت.

أضف إلى ذلك أن المسيح بطبيعته هو ابن الله الوحيد، إله من إله، ووحيد من وحيد، ونور من نور، ولكنه بكر بالنسبة لنا حتى أن كل من يشبهه يخلص به فهو البكر ونحن إخوته[90].

* وجد الله الإنسان قد انحطَّ إلى مستوى الحيوان ولذلك وضع نفسه كطعام في المذود حتى إذا نبذنا الطبيعة الحيوانيّة ارتفعنا إلى درجة الفهم والإدراك التي تليق بالطبيعة الإنسانيّة، فباقترابنا إلى المذود، إلى مائدته الخاصة لا نجد طعامًا ماديًا بل خبزًا سمائيًا هو الجسد الحيّ[91]

القديس كيرلس الكبير

* كرّم المذود، فإنَّك وإن كنت قد فقدت الحس (صار الإنسان كحيوانٍ) تجد في المذود الكلمة طعامًا لك[92].

القديس غريغوريوس النزينزي

* وُلد في مذود ليرفعكم إلى المذبح،

جاء إلى الأرض ليرفعكم إلى السماء،

لم يجد له موضعًا إلا في مذود البقر، لكي يعد لكم منازل في السماء (يو 14: 2)، وكما يقول الرسول: "إنه من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو 8: 9). فميراثي هو فقر المسيح، وقوَّتي هي ضعف المسيح.

القديس أمبروسيوس

* أيها الرهبان، لقد وُلد الرب على الأرض ولم يكن له حتى قلاية يُولد فيها، ولا موضع في الفندق.

الجنس البشري كله له موضع، والرب عند ميلاده ليس له موضع.

لم يجد له موضعًا بين البشر، لا في أفلاطون ولا في أرسطو، إنما وجد له موضعًا بين البسطاء والأبرياء في المذود... لهذا قال الرب في الإنجيل: "للثعالب أوْجِرة ولطيور السماء أوْكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه[93]".

القديس جيروم

2. البشارة للرعاة

تمَّت ولادة السيِّد المسيح في المذود بعيدًا عن الأنظار، لم يسمع عنها الملوك والعظماء، ولا أدركها الكهنة ورؤساء الكهنة وجماعات الكتبة والفريسيين والناموسيِّين والصدِّوقيِّين. هكذا استقبلت الأرض خالقها في صمتٍ رهيبٍ، لكن لم يكن ممكنًا للسماء أن تصمت، فقد جاء ملاك الرب إلى جماعة من الرعاة الساهرين الأمناء في عملهم، وربَّما كانوا في بساطة قلوبهم منشغلين بخلاصهم، جاءهم ووقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم [9]، فخافوا خوفًا عظيمًا.

"فقال لهم الملاك: لا تخافوا،

فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لجميع الشعب.

إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب.

وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمَّطًا مُضجعًا في مذود"[10-12].

فيما يلي بعض تعليقات الآباء علي هذه البشارة المفرحة:

* أعلن جمهور الأنبياء ولادة المسيح بالجسد وأخذ صورة إنسان في ملء الأزمنة، وأنشدت جماهير السماء أنشودة الفرح والتهليل بميلاد المخلِّص الفادي، وكان الرعاة في بيت لحم أول من بُشِّروا بهذا النبأ السار. هؤلاء الرعاة هم رمز للرعاة الروحيِّين الذين يظهر لهم الرب يسوع المسيح فيبشِّرون باسمه في كل مكان كما بشَّر رعاة بيت لحم بالمسيح في بلدتهم هذه علي أثر سماعهم أنشودة الفرح والابتهاج من الملائكة الأطهار، فكان الملائكة كما ترى أول من أعلنوا ميلاد المسيح للعالم، ونادوا بمجد المسيح، وهو الإله المتأنِّس من امرأة بحالة عجيبة.

وقد يسأل أحد فيقول: كان المسيح طفلًا ملفوفًا بقماطٍ وضيعٍ، وموضوعًا في مذود، فلِمَ القوَّات السمائيّة تبجِّلُه إلهًا وربًّا؟

أيها الإنسان تعمَّق في فهم السرّ العظيم. لقد ظهر الله كما تظهر أنت، واِتَّخذ جسم عبد من الرقيق، ولكن لم تنفصل عنه أُلوهيَّته بحال من الأحوال. ألا تفهم أن ابن الله الوحيد تجسّد ورضيَ أن يولد من امرأة حبًا فينا ليَطرح اللعنة التي حلَّت علي المرأة الأولي، فقد قيل لها "بالوجع تلدين أولادًا" (تك 3: 16)؟! بولادة المرأة عمانوئيل المتجسّد اِنحلَّ رباط اللعنة عنها!

وليس ذلك فحسب، ولكن يقول الحكيم بولس "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطيّة والموت، لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه فيما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شِبه جسد الخطيّة، ولأجل الخطيّة دان الخطيّة في الجسد، لكي يتم حُكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 3-4).

وما هو المُراد بالقول "شِبه جسد الخطيّة"؟

يُراد به أن ناموس الخطيّة كامن في الجسد مع الأهواء الباطلة والميول الفاسدة، ولكن ما أن تجسّد المسيح واِتَّخذ صورتنا أصبح جسده مقدَّسًا وطاهرًا. إذن أصبح المسيح مثلنا، ولكن ليس فيه ميولنا الباطلة، إذ تحرَّر المسيح من جميع الرغبات والنزعات الفاسدة التي تقودنا إلى فعل المُحرَّم المرذول والدنيء الممقوت. فكلما رأيت الطفل يسوع ملفوفًا بالأقمطة فلا تنظره وهو بالجسد، بل دقِّق النظر في مجده الإلهي. وارتفع بعقلك إلى سماء السماوات لتشاهد مجده الفائق "وهو جالس علي كرسي عالٍ ومرتفعٍ" (إش 6: 1)، وتسمع أناشيد السيرافيم مقدِّمين المجد والإكرام والسجود والعبادة للرب يسوع المسيح الذي يملأ الأرض بمجده وعظمته.

أنظر مجد المسيح علي الأرض وقد تلألأ بالنور، وسطع علي الرعاة، وجمهور الملائكة ينشدون أناشيد الفرح والسرور. فقد تنبَّأ موسى منذ قرون عديدة فقال: "تهلَّلوا أيها الأمم شعبه".

ألم يولد أنبياء كثيرون ولكن لن تتهلَّل الملائكة في ميلاد أحدهم كما تهلَّلت عند ميلاد المسيح لأن هؤلاء الأنبياء كانوا من البشر مثلنا خُدامًا لله وحاملين الكلمة، ولكن لم يكن هذا شأن المسيح لأنه إله ورب مُرسل الأنبياء والقدِّيسين. أو كما يقول المرنِّم: "لأنه من في السماء يعادل الرب بين أبناء الله" (مز 89: 6). فإنَّ المسيح شاء ومنحنا البنوَّة نحن الذين تحت نير العالم وبطبيعتنا أرِقَّاء، أما المسيح فهو الابن الحقيقي، فهو بطبيعته ابن الله الآب حتى بعد تجسّده، فقد ظلَّ كما قلت لكم كما كان قبلًا رغمًا عن أخذه جسدًا لم يكن له قبلًا. وما أقوله هو عين الصِدق فإنَّ إشعياء يؤكِّد متنبِّئًا: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل. زِبدًا وعسلًا يأكل، متى عرف أن يرفض الشرّ ويختار الخير، لأنه قبل أن يَعرف الصبي أن يَرفض الشرّ يختار الخير" (إش 7: 14-15).

وما معنى هذا كله؟ معناه أن المسيح وهو بعد طفل رضيع أكل زبدًا وعسلًا، ولأنه هو الله المتجسّد، عرف فقط الخير وتجرَّد من خطيّة الإنسان، وهذه الصفة لا تلازم إلا الله العليّ فقد ورد "ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (لو 18: 10)، أو كما تنبَّأ إشعياء "فاقتربت إلى النبيّة فحبلت وولدت ابنًا، فقال لي الرب ادع اسمه مهير شلال حاش بز (أي اَسرع واْسِر أسرًا واَغنم غنيمة) لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يدعو يا أبي ويا أمي تحمل ثروة دمشق" (إش 8: 3). وبولادة المسيح كُسرت شوكة إبليس ونُهبت محلَّته، وقد صار له أنصار كثيرون في دمشق يعبدونه ويسجدون له، ولكن لما ولدت العذراء يسوع المسيح اضمحلَّت قوّة إبليس وتلاشى حُكمة الظالم الغشوم، فإنَّ الوثنيِّين أنفسهم علموا بظهور كوكب الصبح الرب يسوع، وسافر رسلهم "المجوس" من الشرق إلى أورشليم، ولم يكن لهم معلِّم سوى السماء، ولا مهذِّب سوى النجم (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). فلا تنظروا إذن إلى الطفل المولود في المزود كأنه رضيع فقط، بل انظروا إليه إلهًا غنيًا قديرًا وفاديًا، مخلِّصا عظيمًا يفوق الأجناد السمائيّة قوّة واِقتدارًا، فحقَّ له أن تنادي الملائكة بولادته في فرح وسرور وابتهاج وحبور، فما أجمل تحيَّات الملائكة للطفل يسوع وهم ينشدون[94].

القديس كيرلس الكبير

* لاحظوا جذور ميلاد الكنيسة، فقد وُلد المسيح والرعاة يسهرون، هؤلاء الذين يحرسون الخراف التي جاءت من الأمم في حظيرة الرب فلا تهاجمها الوحوش... يستطيع الرعاة أن يسهروا كما علَّمهم الراعي الصالح. الرعيّة هي الشعوب، والليل هو العالم، والرعاة هم الكهنة.

القديس أمبروسيوس

* نزل ملاك الرب من السماء وأعلن عن ميلاده.

ها نحن نرى ملاك الرب قد دُعي ليُبشر بميلاد المسيح،

فلم يذهب إلى أورشليم، ولا بحث عن الكتبة والفرِّيسيين، ولا دخل مجمع اليهود، لكنه بحث عن رعاة يحرسون حراسة الليل للقطيع...

* جاء ملاك الرب للرعاة وكلَّمهم: اسمعوا يا ملائكة الكنائس فإنَّ ملاك الرب لا يزال ينزل من السماء ليُعلن لكم: "إنه وُلد لكم اليوم مخلِّص هو المسيح الرب". حقًا لو لم يأتِ هذا المخلِّص لما استطاع رعاة الكنائس أن يعتنوا برعيَّتهم من أنفسهم. فاشلة هي رعايتهم إن لم يرعها المسيح معهم! ها نحن بصدد قراءة ما جاء عن الرسل: "نحن فلاحة الله"، فالراعي الصالح هو ذاك الذي يتبع سيِّده الراعي الصالح، فيعمل مع الله (الآب) ومع المسيح[95].

العلامة أوريجينوس

* هوذا الملائكة ترتِّل، ورؤساء الملائكة تغنِّي في انسجام وتوافق...

الشاروبيم يسبِّحون تسابيحهم المفرحة، والسيرافيم يمجِّدونه.

الكل اتَّحد معًا لتكريم ذلك العيد المجيد، ناظرين الإله على الأرض، والإنسان في السماء؛ الذي من فوق يسكن هنا على الأرض لأجل خلاصنا، والإنسان الذي هو تحت يرتفع إلى فوق بالمراحم الإلهيّة!

هوذا "بيت لحم" تضاهي السماء، فتسمع فيها أصوات تسبيح الملائكة من الكواكب، وبدلًا من الشمس أشرق شمس البر في كل جانب[96].

القديس يوحنا ذهبي الفم

* اليوم ابتهج الحرَّاس، لأن الساهر (دا 4: 13) جاء لإيقاظنا.

من يستطيع أن ينام الليلة التي فيها العالم كله ساهرًا؟!

لقد جلب آدم النُعاس على العالم بالخطيّة، لكن الساهر نزل لإيقاظنا من نوم الخطيّة العميق.

* الليلة اتَّحد الحرَّاس العلويُّون مع الحرَّاس الساهرين (الأرضيِّين)، فقد جاء "الحارس" ليخلق حُرَّاسًا وسط الخليقة!

هوذا، فإنَّ الحرَّاس الساهرين قد صاروا زملاء الحرَّاس العلويِّين. انشدوا بالتسبيح مع السيرافيم!

طوبى لمن يصير قيثارة لتسبيحك، فإنَّ نعمتك تكون هي مكافأته!

* لقد نطق الحراس العلويُّون بالسلام للحراس الساهرين.

لقد جاء الحراس العلويُّون يعلنون البشائر المفرحة للساهرين...!

لقد امتزج الحرَّاس بالحرَّاس، وفرح الكل لأن العالم جاء إلى الحياة! [97]

القديس مار أفرام السرياني

هكذا أرسل الرب ملاكه يبشِّر الرعاة الحارسين بالفرح العظيم، "لجميع الشعب"، ولم يكن هذا الملاك ناقلًا للرسالة فحسب، إنما كان شريكًا مع البشريّة في فرحهم هو وجميع الطغمات السمائيّة، إذ انفتحت السماء لتنزل جوقة من الملائكة تشاركنا بهجتنا الروحيّة. يقول الإنجيل:


"وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي

مسبِّحين الله وقائلين:

المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام

وبالناس المسرة (الإرادة الصالحة)"[13-14].

* "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس الإرادة الصالحة". في السماء (الأعالي) لا توجد خطيّة إنما يوجد تمجيد وتسبيح دائم وترنُّم بغير ملل، أما على الأرض حيث ملك العصيان وتسلَّط النزاع والانقسام، فصارت الحاجة ماسة إلى السلام الذي يُقتنى بالصلاة، هذا الذي لا يحل بكل الناس وإنما بذوي الإرادة الصالحة[98].

القديس جيروم

* ذكر ظهور الجند السماوي الذين تبعوا رئيس الجند؛ ولمن يرسل الملائكة الكرامة إلا لربِّهم كما قيل: "سبِّحوا الرب من الأعالي"؟!

القديس أمبروسيوس

* إن أردت أن تتعلَّم شيِّئًا من الشاروبيم أو السيرافيم فلتسمع أنشودة قداسته السريّة، فإنَّ السماء والأرض مملوءتان من مجده (إش 6: 3)[99].

القديس يوحنا ذهبي الفم

لقد سحبت هذه الأنشودة الملائكيّة نظر الكنيسة فاشتاقت أن تسبِّح بها مع الجند السماوي، لهذا استخدمت في صلاة باكر كما جاء في "دساتير الرسل[100]"، ولا زلنا نستخدمها في تسبحة باكر، فنبدأ يومنا بالتهليل مع الملائكة من أجل عمله الفائق خلال تجسّده الإلهي.

علّق القديس أغسطينوس كثيرًا على تعبير "وبالناس الإرادة الصالحة"، مؤكدًا تقديس الله للحرِّية الإنسانيّة، ليكون لنا الإرادة الصالحة عن اختيار لا عن قسْرٍ[101]، وفي موضع آخر يقول: [البرّ ينتمي للإرادة الصالحة[102].]

إذ مضت الملائكة تشاور الرجال معًا منطلقين بشوق وبسرعة [16] ليلتقوا بهذا المولود العجيب. جاءوا يشهدون بما قيل لهم عنه، فصاروا كارزين به، إذ قيل:

"وكل الذين سمعوا تعجَّبوا ممَّا قيل لهم من الرعاة"[18].

يقول القديس أمبروسيوس: [أسرع الرعاة في البحث عن يسوع بلا تراخٍ، فقد آمن الرعاة بكلمات الملاك...] ويقدَّم لنا القدِّيس مار أفرام صورة مُبهجة للقاء الرعاة بالطفل الراعي، إذ يقول:

[جاء الرعاة حاملين أفضل الهدايا من قطعانهم: لبنًا لذيذًا ولحمًا طازجًا وتسبيحًا لائقًا... أعطوا اللحم ليوسف، واللبن لمريم، والتسبيح للابن!

أحضروا حملًا رضيعًا، وقدَّموه لخروف الفصح!

قدَّموا بكرًا للابن البكر، وضحيّة للضحيّة، وحملًا زمنيًا للحمل الحقيقي.

إنه لمنظر جميل أن ترى الحمل يُقدَّم إليه الحمل...!

اقترب الرعاة منه وسجدوا له ومعهم عصِيِّهم. حيُّوه بالسلام، قائلين: السلام يا رئيس السلام. هوذا عصا موسى تسبِّح عصاك يا راعي الجميع، لأن موسى يسبِّح لك. مع أن خرافه قد صارت ذئابًا، وقطيعه كما لو صار تنِّينًا!

أنت الذي يسبِّحك الرعاة، إذ صالحت الذئاب والحملان في الحظيرة[103]!]

تأثَّرَت جدًا القدِّيسة مريم بهذا اللقاء، وكما يقول الإنجيلي: "وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الكلمات متفكِّرة به في قلبها" [19]. ويعلّق القديس أمبروسيوس على ذلك بقول: [من كلمات الرعاة تحصد مريم عناصر إيمانها.] كما يقول: [إن كانت مريم قد تعلَّمت في مدرسة الرعاة، فلماذا ترفض أنت أن تتعلَّم في مدرسة الكهنة، وإن كانت مريم قد حفظت السرّ... فلماذا تريد أنت التعليم أكثر من الصمت؟]

3. ختان السيِّد

في دراستنا لسفر التكوين رأينا التزام كل ذكر ابن لإبراهيم أن يُختتن، علامة العهد المقدَّس مع الله ودخوله إلى العضويّة في الجماعة المقدَّسة (تك 15). وكل من لا يُختتن تُنزع نفسه من وسط الشعب المقدَّس. لكن إذ جاء كلمة الله متجسّدًا لم يكن محتاجًا للختان لنفعٍ خاص به، وإنما وقد قبِل أن ينحني بإرادته كصديقٍ حقيقيٍ لنا، خاضعًا مثلنا تحت الناموس (غل 4: 4) يرفعنا من تحت الناموس، إذ هو وحده غير الكاسر للناموس. إذن ختان السيِّد هو خطوة جديدة يسلكها الرب في طريق الصليب والإخلاء، بخضوعه للناموس من أجلنا، مكمِّلًا كل برٍّ (مت 3: 15).

فيما يلي تعليقات بعض الآباء على ختان السيِّد:

* خُتن الطفل الذي تكلَّم عنه إشعياء: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا" (إش 9: 6)، وقد صار تحت الناموس ليعتق الذين تحت الناموس (1 كو 9: 5).

القديس أمبروسيوس

* الآن نجده مطيعًا لناموس موسى، وبعبارة أخرى نجد الله المشرِّع ينفِّذ القانون الذي شاء فسنَّه! أو كما يقول الحكيم بولس: "لما كنَّا قاصرين كنَّا مُستعبَدين تحت أركان العالم، ولكن لما جاء مِلء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبنِّي" (غل 4: 3-5).

فالمسيح إذن افتدانا من لعنة الناموس نحن الذين كنَّا عبيدًا للناموس، وأظهرنا عجزًا تامًا في العمل بشرائعه.

وكيف افتدانا...؟ بحفظه وصايا الناموس. وبعبارة أخرى أطاع المسيح الفادي عِوضًا عنَّا الله الآب، إطاعة تامة، كما هو مكتوب: "لأنه كما بمعصيّة الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 19).

سلَّم المسيح نفسه للناموس أُسوَة بنا، لأنه يليق به أن يكمِّل كل برّ، واتَّخذ صورة عبدٍ وأصبح واحدًا منَّا نحن الذين بطبيعتنا تحت نير الناموس، بل دفع نصف الشاقل، وهو المقدار الذي فرضته الحكومة الرومانيّة على أفراد الشعب...

مع أن المسيح هو ابن الله، ولكن لا مفر من دفع هذا المبلغ، لأنه رضيَ أن يتَّخذ صورتنا...

فإذا ما رأيت المسيح يُطيع الناموس فلا تتألّم ولا تضع المسيح الحُر في زمرة العبيد الأرِقَّاء، بل فكّر في عمق السرّ العظيم، سرّ الفداء والخلاص!

ترون أنه خُتن في اليوم الثامن، وهو اليوم الذي عُيِّن للاختتان الجسدي طبقًا للناموس، وقد سُمِّيَ الفادي "يسوع"، ومعنى هذه الكلمة "مخلِّص" الشعب[104]!

القديس كيرلس الكبير

4. تقديم ذبيحة

يقول القديس كيرلس الكبير:

[وبعد ختان المسيح انتظرت مريم يوم تطهيرها، وعند تمام الأربعين يومًا من الميلاد حملت أورشليم السيِّد المسيح، الله الكلمة، الذي يجلس عن يمين الآب. وهناك مثَّل في الحضرة الإلهيّة على صورة إنسان كما نمثل نحن، وطبقًا للناموس اُعتبِر بكرًا، فقد اعترف الناموس حتى قبل تجسّد الفادي بمركز البكر الممتاز فكان يُعتبر مقدَّسًا ويُكرَّس لله ويقدِّم ذبيحة للعزَّة الإلهيّة. حقًا ما أعظم وأعجب سرّ الخلاص والفداء: "يا لعمق غِنى الله وحكمته وعلمه" (رو 11: 33). إن الذي في حضن الآب، ذلك الابن القدِّوس الذي يشارك الآب في العرش السمائي والذي به خُلقت الأشياء بأسرها، يخضع لما تتطلَّبه الطبيعة البشريّة، ويقدَّم الذبيحة لأبيه الإله العظيم، وهو الذي تعبده الخليقة طُرًا، وتمجّده مع أبيه السماوي كل حين!

وماذا كانت تقدمة المسيح؟ قضى الناموس أن كل بكر يقدِّم ذبيحة هي "زوج يمام أو فرخا حمام". وما الذي يشير إليه اليمام والحمام؟ تعالوا معي ندرس هذه الإشارة.

إن اليمام أكثر طيور الحقل جلبة وضوضاء، بينما الحمام طائر وديع هادئ. كان الفادي كذلك، فقد أظهر لنا منتهى اللطف والرحمة، وكان أيضًا كيمامة يسير في كل مكان ليملأه عطفًا ورقَّة وبركة وعزاء، فإنَّه مكتوب في سفر نشيد الأناشيد "صوت اليمامة سُمع في أرضنا" (نش 2: 12). فالمسيح اسمعنا كلمة الإنجيل وهي كلمة الخلاص للعالم أجمع.

قُدِّم اليمام والحمام ذبيحة إذن كما أن المسيح الابن مثَل أمام الله الآب في الهيكل، فكنت ترى في موضع واحد الرمز والحقيقة.

قدَّم المسيح نفسه رائحة زكيّة عطرة لكي يقدَّمنا نحن إلى الله الآب، وبذلك محا العداء الذي اُستحكمت حلقاته بين الإنسان والخالق على أثر تعدِّي آدم على شريعة الله العظيم، ونزع سلطان الخطيّة الذي استعبدنا جميعًا، فإنَّنا نحن الذين كنَّا نصرخ في الزمن القديم، كل منَّا ينادي الله قائلًا: "التفت إليّ وارحمني[105]" (مز 25: 16).]

ويقول القديس يعقوب السروجي:

[أُعطيَ الناموس لموسى على الجبل مع أبيه، وأتى ليكمِّل الترتيب الذي علم بأقنومه.

أتى للختان لكي لا يكفُر أحد بتأنُّسِه، وأتى بالذبيحة ليُري أنه ليس غريبًا عنَّا.

تقدَّم باليمام الذي صاغ رمزه!

حملت مريم قابل الكل مع قربانه، ليأتي بالذبيحة لهيكل القدس حسب الناموس. حمل يوسف الفراخ، وجاء من أجل الصبي، ولبيت القدس صعد ليقدِّم كالناموسي[106].]

ويقول القديس أمبروسيوس:

[هذا هو معنى المكتوب: "إن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدِّوسًا للرب" (خر 13: 12). لقد كانت كلمات الشريعة رمزًا لثمرة بطن العذراء القدِّوس الحقيقي الذي بلا دنس، يؤيِّد ذلك كلمات الملاك: "القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله" (لو 1: 35). فالعذراء لم تحبل بزرعٍ بشريٍ، بل من الروح القدس الذي حلّ فيها وقدّسها. والرب يسوع هو الوحيد الكُلي القداسة بين المولودين من النساء...

ولكن كيف يمكننا أن ندعو كل ذكر قدِّوسًا بينما نلاحظ أن كثيرين منهم كانوا أشرارًا؟! هل كان آخاب قدِّوسًا...؟ لكن هذا هو القدِّوس الذي فيه تتحقَّق الأسرار التي رمزت إليها الشريعة، ألا وهو المخلِّص المنتظر الذي به وحده يمكن للكنيسة المقدَّسة البتول أن تلد شعبًا لله برحم مفتوح ولميراث بلا دنس، هذا الذي وحده خرج من أحشاء العذراء.]

إذن إذ قدَّمت العذراء الابن البكر قدِّوسًا للرب، إنما قدَّمت ذاك الذي من أجله جعلت الشريعة كل ذَكَر فاتح رحم قدِّوسًا كرمزٍ له.

5. تسبحة سمعان الشيخ

تتلخَّص قصَّة سمعان الشيخ كما وردت في التقليد الكنسي في أنه كان أحد الاثنين وسبعين شيخًا من اليهود الذي طلب منهم بطليموس ترجمة التوراة إلى اليونانيّة، والتي سُمِّيت بالترجمة السبعينيّة. قيل أنه أثناء الترجمة أراد أن يستعيض كلمة "عذراء" في نبوَّة إشعياء النبي: "ها العذراء تحبل..." بكلمة "فتاة"، إذ تشكَّك في الأمر، فظهر له ملاك الرب وأكّد له أنه لن يموت حتى يرى مولود العذراء هذا. وبالفعل إذ أُوحى له الروح القدس حمل الطفل يسوع على يديه وانفتح لسانه بالتسبيح، مشتهيًا أن ينطلق من هذا العالم بعد معاينته بالروح خلاص جميع الشعوب والأمم.

قَدَّمت لنا أحداث الميلاد بالحقيقة صورة مفرحة لصداقة ربنا يسوع مع الجميع، فها عذراء فقيرة تحبل وتلد رمزًا للكنيسة التي تنعم بالعذراويّة الروحيّة خلال اتِّحادها بالعريس البتول فتُنجب أولادًا بتوليِّين روحيًا، والعاقر الشيخة تلد، والكاهن الصامت يسبِّح، والجنين في الأحشاء يرتكض وحَنَّة الأرملة تمجِّد الله وسمعان الشيخ البار المتوقِّع تعزيّة إسرائيل يقوده الروح ليحمل صديقه السماوي بين ذراعيه...

اسم "سمعان" يعني "المُستمع" أو "المُطيع" فيشير إلى المؤمنين الطائعين من اليهود الذين طال بهم الزمن مترقِّبين تحقيق النبوَّات، والتمتَّع بذاك الذي هو مشتهى الأمم. وإذ قادهم الروح القدس إلى الهيكل حملوا السيِّد بين أذرعتهم واشتهوا بصدق أن يخرجوا من العالم بعد ما استراحت قلوبهم من جهة خلاص الشعوب وإعلان مجد الله بين الأمم.

* إن كانت امرأة قد لمست ملابسه الخارجيّة (هُدب ثوبه) فشُفيت في الحال، فأي نفع ناله سمعان الذي حمله على ذراعيه وتهلَّل بالفرح؟!

إنه يحمل الطفل الآتي ليحرِّر المأسورين ويخلِّصهم من رباطات الجسد. إنه يعلم أنه لا يوجد من يُخرجه من سجن الجسد مع الوعد بالحياة الأبديّة إلا هذا الطفل الذي بين يديه. إليه وجّه الحديث: "الآن يا سيِّد تطلق عبدك حسب قولك بسلام". لأنه منذ زمان طويل لم أحمل السيِّد المسيح، لم أضمُّه بين ذراعيّ. كنت مسجونًا ولم أستطع أن أفك رباطاتي.

هذه الكلمات لا تخص سمعان وحده، إنما تخص كل البشريّة التي تنتظره...

* لم يدخل سمعان الهيكل اِعتباطًا أو محض الصدفة، إنما ذهب منقادًا بروح الله... وأنت أيضًا إن أردت أن تأخذ المسيح وتضمُّه بين ذراعيك وتتأهَّل للانطلاق من السجن جاهد أن يقودك الروح ويدخل بك في هيكل الله. هناك يوجد يسوع، داخل الكنيسة في الهيكل المقام من الحجارة الحيّة[107].

العلامة أوريجينوس

* بالتأكيد أكّد برهانًا وحمل شهادة أن لخدام الله سلامًا وحرِّيَّة وراحة هادئة، فعندما ننسحب من زوابع هذا العالم نبلغ ميناء مدينتنا وأمننا الأبدي، عندما يتحقَّق هذا الموت نبلغ الخلود[108].

الشهيد كبريانوس

* سمعان انطلق؛ لقد تحرَّر من عبوديّة الجسد. الفخ انكسر والطير انطلق[109].

القدِّيس غريغوريوس النيسي

* الآن إذ حمله سمعان الكاهن على ذراعيه ليقدَّمه أمام الله أدرك أنه ليس هو الذي يقدَّمه، بل سمعان يُقدِّم لله بواسطته. فالابن لا يقدِّمه العبد لأبيه، إنما بالحري الابن يقدِّم العبد لربِّه... الذي ينطلق لله بسلام إنما يُقدِّم تقدِمة للرب[110]!

القديس مار أفرام السرياني

* حُمل المسيح إذن إلى الهيكل وهو بعد طفل يُحضَن، وما وقع نظر سمعان المغبوط على الطفل يسوع حتى أخذه على ذراعيه، وبارك الله وقال: "الآن تطلق عبدك يا سيِّد حسب قولك بسلام لأن عينيّ قد أبصرت خلاصَك الذي أعددته قدَّام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم، ومجدًا لشعبك إسرائيل". فإنَّ سرّ الفداء كان منذ القدَّم وقبل تكوين العالمين، ولكن لم يُعلن إلا في آخر الزمان فكان نورًا للساكنين في الظلمة، أولئك الذين تملكهم يد الشيطان القويّة "الذين عبدوا المخلوق دون الخالق" (رو 1: 25)، الذين ألّهوا التنِّين مصدر الشرّ والإثم وأطاعوا طغمة الشيَّاطين النجسة وسجدوا لها كما يسجدون للإله الواحد، رغمًا عن كل هذا دعا الله هؤلاء الأقوام إلى نور ابنه الحقيقي، إذ يقول النبي: "أُصفِّر لهم وأجمعهم لأني قد فديتهم ويكثرون كما كثروا، وأزرعهم بين الشعوب فيذكرونني في الأراضي البعيدة" (زك 10: Cool. حقًا إن الذين ضلَّوا هم شعب كثير إلا أن الله دعاهم وقبلهم وافتداهم ونالوا كضمان للسلام نعمة التبنِّي بيسوع المسيح.

زُرع الرسل الأطهار بين الشعوب وماذا كانت النتيجة؟ اقترب كل من كان بعيدًا إلى العرش الإلهي، حتى أن بولس الرسول يبعث برسالة إليهم يقول فيها: "الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح" (أف 2: 13). وباقتراب هؤلاء الناس إلى المسيح سيتمجَّدون به كما وعدهم الله الآب.

يقول: "وأقوِّيهم بالرب فيسلكون باسمه" (زك 10: 12)، ويقول المرنِّم المغبوط في هذا الصدد: "يا رب بنور وجهك يسلكون، باسمك يبتهجون اليوم كله، وبعد ذلك يرتفعون" (مز 89: 15-16) ويتضرَّع النبي إرميا إلى الرب، فيقول: "يا رب عزِّي وحصْني وملجأي في يوم الضيق. إليك تأتي الأمم من أطراف الأرض ويقولون إنما ورث آباؤنا كذبًا وأباطيل وما لا منفعة فيه" (إر 16: 19).

كان المسيح إذن نورًا ومجدًا لإسرائيل، ومع أن بعض اليهود ضلُّوا الطريق وجهلوا الكتب وأنكروا المسيح، إلا أن قومًا منهم خلصوا وتمجَّدوا بيسوع وكان على رأسهم الرسل المقدَّسون الذين أضاءوا بنورهم مصباح الإنجيل في أقاصي الأرض.

والمسيح مجد إسرائيل أيضًا لأنه يُنسب إليهم حسب الجسد مع أنه "على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد[111]" (رو 9: 5).

القديس كيرلس الكبير

ويلاحظ في تسبحة سمعان الشيخ الآتي:



أولًا: يعلن عموميّة الخلاص وجامعيّة الكنيسة، فإنَّ كان شعبه إسرائيل الذي تجسّد منه وحلّ في وسطه قد تمجَّد، وقبِل بعض اليهود الإيمان به خاصة الاثنى عشر رسولًا، لكن إسرائيل الجديد ضم من كل الأمم، إذ أعلن انفتاح ذراعيّ الله بالحب العملي على الصليب لأجل كل الأمم، إذ يقول:

"لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك (صليبك)،

الذي أعددته قدَّام وجه جميع الشعوب.

نور إعلان للأمم"[30-32].

هذه النظرة الروحيّة تلقَّفتها الكنيسة بفرح، فقد قيل:

* علّق على الشجرة ذاك الذي يجمع الكل فيه.

* إذ فقدناه خلال شجرة، فبالشجرة أيضًا أُعلن للجميع، مظهرًا نفسه الارتفاع والطول والعرض والعمق، وكما أخبرنا أحد السالفين أنه أعاد الاتِّحاد بين الشعبين في الله خلال انبساط يديه. فقد كانت هناك يدان إذ وُجد شعبان منتشران إلى أقاصي الأرض، ووُجدت رأس واحدة، إذ يوجد إله واحد[112].

القدِّيس إيريناؤس

* الصليب هو طريق رباط المسكونة.

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

* الصليب هو سُلم يعقوب، هذه الشجرة ذات الأبعاد السماويّة ارتفعت من الأرض إلى السماء، أقامت ذاتها غرسًا أبديًا بين السماء والأرض، لكي ترفع المسكونة... وتضم معًا أنواع مختلفة من الطبيعة البشريّة.

القديس هيبوليتس

إن كانت الكنيسة في بهجتها بالتسبحة الملائكيّة (المجد لله في الأعالي...) صارت تترنَّم بها كل صباح، فإنَّ في فرحها بهذه التسبحة التي لسمعان الشيخ (الآن يا سيِّد تُطلق عبدك...) صارت تتغنَّى بها في تسبحة نصف الليل كما في تسبحة النوم.



ثانيًا: إذ سمع يوسف والقدِّيسة مريم هذه التسبحة كانا يتعجَّبان، لأنه ما أعلنه لهما الله عند البشارة صار معلنًا لسمعان الكاهن والشيخ بصورة واضحة. وإذ تمتَّعا ببركة سمعان الكاهن، وجَّه هذا الشيخ حديثه للقدِّيسة مريم، قائلًا: "ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم" [34].

إن كان الله الآب قد أرسل ابنه لخلاص العالم (يو 3: 16) خلال علامة الصليب، لكن ليس الكل يقبل هذه العلامة ويتجاوب مع محبَّة الله الفائقة، بل يقاوم البعض الصليب ويتعثَّرون فيه. هذا ومن ناحية أخرى فإنَّ سقوط وقيام الكثيرين يشير إلى سقوط ما هو شرّ في حياتنا لقيام ملكوت الله فينا، فعمل السيِّد المسيح أن يهدم الإنسان القديم ليُقيم الإنسان الجديد؛ يقتلع الشوك ليغرس في داخلنا شجرة الحياة.

هذا الفكر من جهة سقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، أي سقوط الجاحدين وقيام المؤمنين، وسقوط الشرّ فينا لقيام برّ الله داخلنا قد وضَّح في كتابات الآباء، إذ جاء فيها:

* "لأننا رائحة المسيح الزكيّة لله في الذين يخلُصون وفي الذين يهلَكون" (2 كو 2: 15). يقول سواء في الذين يخلُصون أو الذين يهلِكون يستمر الإنجيل في عمله اللائق؛ وكما أن النور وإن كان يحسب عَمَى بالنسبة للضعيف لكنه يبقى نورًا... والعسل في فم المرضى مُرّ لكنه في طبعه حلو؛ هكذا للإنجيل رائحته الزكيّة حتى وإن كان البعض يهلك بسبب عدم إيمانهم به، لأنه ليس هو السبب في هلاكهم إنما ضلالهم هو السبب... بالمخلِّص يسقط ويقوم كثيرون لكنه يبقى هو المخلِّص حتى وإن هلك ربوات... فهو لا يزال مستمرًا في تقديم الشفاء[113].

القديس يوحنا ذهبي الفم

* هوذا سمعان يتنبَّأ بدوره أن ربَّنا يسوع المسيح قد جاء لسقوط وقيام كثيرين حتى يجازي أعمال الأبرار والأشرار، ويعطي كل واحد حسب أعماله كديّان حقيقي وعادل، إما بالعذاب أو بالحياة.

القديس أمبروسيوس

* في رأيي أن الرب هو لسقوط وقيام الكثيرين (لو 1: 34)، ليس لأن البعض يسقط والبعض الآخر يقوم، إنما يسقط فينا ما هو شرّ ويقيم فينا ما هو أفضل. مجيء الرب محطَّم للشهوات الجسديّة ومقيم لسمات النفس الصالحة، وكما يقول بولس: "حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي" (2 كو 12: 10). في الشخص نفسه يوجد ما هو ضعيف وما هو قوي، إذ يكون ضعيفًا في الجسد وقويًا في الروح..

الذي يقوم تسقط خطيَّته وتموت بينما يحيا في البرّ ويقوم، هذا هو ما تمنحه إيَّانا النِعم الخاصة بإيماننا بالمسيح.

ليسقط فينا ما هو شرِّير لكي يجد ما هو أفضل الفرصة ليقوم! فإن لم يسقط الزنا عنَّا لا تقوم الطهارة فينا. وإن لم يتحطَّم فينا ما هو مخالف للعقل لن يبلغ عقلنا إلى الكمال. هذا هو معنى "لسقوط وقيام كثيرين"[114].

القديس باسيليوس الكبير

إذن السيِّد المسيح الذي هو حجر الزاويّة المختار الكريم الذي أقامه الآب في صهيون، لكي من يؤمن به لن يخزى (رو 2: 9)، إذ سقط علي غير المؤمن سحقه، وإن سقط غير المؤمن عليه يترضَّض (لو 20: 18). هذا الحجر الكريم يُعلن في صهيوننا الداخليّة، فيحطِّم فينا كل فسادٍ ويسحق كل شرٍ، لكي يقوم بناء الله الداخلي في استقامة وبرّ. إنه الحجر الذي لا يقوم علي أساس خاطئ، لذلك به "يسقط ويقوم كثيرون"!

وحينما نتحدّث عن السيِّد المسيح إنما نتحدّث عنه بكونه "المصلوب"، إذ يكمل سمعان الشيخ حديثه قائلًا: "لعلامة تقاوم"، وكما يقول القديس باسيليوس الكبير: [نفهم بلياقة العلامة في الكتاب المقدَّس أنها الصليب[115].] ويقول القديس كيرلس الكبير: [أما العلامة التي تُقاوم فيقصد بها علامة الصليب، إذ يقول الحكيم بولس: "لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود ولليونانيِّين جهالة، وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوّة الله" (1 كو 1: 18)، فترون أن علامة الصليب عند قوم جهالة وعند آخرين رحمة وحياة.]

مرة أخري يرى القديس باسيليوس الكبير[116] أن العلاقة التي قاومها الهراطقة هي "حقيقة تجسُّد المسيح" فالبعض قالوا أنه جسد سماوي منكرين حقيقة التجسُّد وذلك كالغنوسيِّين[117]، والبعض قال أنه جسد موجود قبل كل الدهور، وآخرون قالوا أن المسيح بدأ وجوده من مريم، أي أنكروا لاهوته.

ثالثًا: إن كان السيِّد المسيح الذي جاء لخلاص العالم قد صار موضع مقاومة، فإنَّ القدِّيسة مريم تشارك ابنها الصليب بكونها تمثِّل الكنيسة، التي تحمل صورة عريسها المصلوب المقاوَم. إذ يقول: "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسك سيف. لتعلَن أفكار من قلوب كثيرين" [35]. وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [يُراد بالسيف الألم الشديد الذي لحق بمريم وهي ترى مولودها مصلوبًا، ولا تعلم بالكليّة أن ابنها أقوى من الموت، وأنه لابد من قيامته من القبر، ولا عجب أن جهلت العذراء هذه الحقيقة فقد جهلها أيضًا التلاميذ المقدَّسون، فلو لم يضع توما يده في جنب المسيح بعد قيامته، ويجس بآثار المسامير في جسم يسوعلما صدق أن سيِّده قام بعد الموت.] وجاء في قطع الساعة التاسعة: [عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مخلِّص العالم علي الصليب معلَّقا، قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي.]

يقدَّم لنا القديس أمبروسيوس مفهومًا آخر للسيف الذي يجوز في نفس القدِّيسة مريم، ألا وهو "كلمة الله" التي يليق بنا أن نتقبَّلها في أعماقنا كسيفٍ ذي حدين (عب 4: 12)، تفصل الشرّ عن الخير الذي يقوم... [لم يذكر الكتاب ولا التاريخ أن مريم استشهدت، غير أن السيف المادي لا يجوز في الروح بل في الجسد، إنما كلمة الله قويّة وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدِّين، وخارقة إلى النفس والروح (عب 4: 12).]

رابعًا: ماذا يعني بقوله "لتُعلن أفكار من قلوب كثيرة" [35]؟ إن كان السيف- سواء الألم أو كلمة الله - يجتاز نفس القدِّيسة مريم، فإنَّ هذا يفضح فكر الكثيرين وقلوبهم، مثل الكتبة والفرِّيسيِّين الذين يتظاهروا بحفظ الناموس والغيرة علي الشريعة، فإنَّهم أمام الله مع القدِّيسة مريم تنفضح حقيقتهم الداخليّة، ويظهر رياءهم الباطل.

6. تسبحة حنة بنت فنوئيل

كان يلزم أن تفرح كل الفئات بالطفل العجيب، فيقدَّم لنا الإنجيلي لوقا حنَّة الأرملة كنبيَّة تسبِّح له، وكأنها تقوم بهذا الدور نيابة عن فئة الأرامل.

إن كان سمعان يحضر إلى الهيكل ككاهنٍ ليخدم في نوبته، فإنَّ هذه الأرملة كانت ملازمة للهيكل لا تفارقه "عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا" [37]، حوالي 84 عامًا. إذ رأت الطفل "وقفت" [38] بالرغم من شيخوختها إذ ناهزت المائة عام، وانطلق لسانها بالتسبيح، وانفتح فمها بروح النبوَّة.

كتب القديس جيروم إلى الأرملة فيوريا Furia، مقدَّما لها حنَّة مثلًا حيًا، إذ يقول:

[أتريدين أن تعرفي ما يجب أن تكون عليه الأرامل؟ لنقرأ الإنجيل بحسب لوقا، فإنَّه يقول: "وكانت نبيّة حنَّة بنت فنوئيل من سبط أشير". فإنَّ كلمة "حنَّة" تعني "نعمة (حنان الله)"، وفنوئيل في لساننا يعني "وجه الله"، "وأشير" يمكن ترجمتها "غنى" أو "طوباويّة"، وكانت منذ صباها قد تحمَّلت الترمُّل لمدة 84 عامًا لا تفارق الهيكل، عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا لذلك نالت النعمة روحيًا وتقبَّلت لقب "ابنة وجه الله" وتمتَّعت بنصيب في "الطوباويّة والغنى"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ميلاد الصديق السماوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى البروفسور : جوني حنكليس :: المنتدى الديني المسيحي :: تفاسير كتابية ( عهد جديد )-
انتقل الى: