ابدأ بفكر المساواة بين الرجل والمرأة حيث خلق الله الإنسان على صورته وكشبهه (تكوين 26:1) ذكرا وأنثى خلقهما (تكوين27:1). وتقول قصة الخلق أن الله خلق الرجل أولا ثم أوقع الرب الإله سباتا على آدم فنام فأخذ من أضلاعه وملأ مكانها لحما وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة (تكوين 22:2).
نقول لم يأخذ جزأ من الرأس لكي لا تسود عليه, ولا عظمة من القدم لكي لا يدوس عليها بل من جنبه بالقرب من قلبه لكي يضمها ويحميها ويحبها وتحبه.
هي جزء من الرجل لذلك يجب عليه أن يحفظها ويحبها, كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نسائهم كأجسادهم, من يحب امرأته يحب نفسه (افسس 28:5).
وبالإضافة إلى المحافظة عليها عليه أن يكرمها كما كرم الرب يسوع والدته واعتنى بها حتى في آخر كلماته قال هوذا ابنك وهي ذا أمك, لكي لا يتركها بل لتبقى برعاية التلميذ الحبيب (الصديق) ومنذ تلك الساعة أخذها إلى خاصته (يوحنا 19 : 26-27).
ويقول لنا الرسول بولص انه كما أن الخطيئة جاءت بامرأة (بالإشارة إلى حواء) لذلك الخلاص جاء بامرأة (بالإشارة إلى العذراء), وعند مليء الزمان جاء الرب يسوع المسيح مولودا من امرأة (غلاطية 4:4), ويضيف بولص "ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضا الرجل" (1 كورنثوس 7 : 3 ).
وبالنسبة لموقف الدين المسيحي من قضية العنف بكل أشكاله فهي مرفوضة بلا شك، لأننا نتحدث عن ديانة سماوية تنادي بالسلام والسلم بين الجميع.
فرسالة السلام كانت الأولى في العهد الجديد مع بشارة الملاك للعذراء مريم "السلام لك أيتها المنعم عليها" (لوقا 1 :28 ). وكان السلام رسالة السماء عند مولد المسيح وعندما أعلم الملاك الرعاة في بيت ساحور بالقرب من بيت لحم "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ( لوقا 2: 14 ).
المسيح نفسه طوّب صانعي السلام "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون (متى 9:5). وعند صعوده ترك لنا السلام "سلامي أترك لكم وسلامي أعطيكم ليس كما يعطيكم العالم أعطيكم أنا" (يوحنا 14 : 27 ).
وبما أن من البديهي أن مفهوم العنف يتضارب ومفهوم السلام والمسالمة مع الآخرين والتصالح معه فأنه مرفوض لدى المسيحية أي عنف ضد أي شخص آخر و بالأخص المرأة.
أحُضر إلى المسيح امرأة وقد أمسكت بالزنا وموسى أوصى في العهد القديم أن مثل هذه ترجم بالحجارة حتى الموت (يوحنا 8 : 3-5)، فطلبوا من المسيح أن يعطي قراره وبعد وهلة من الزمن أجابهم "من منكم بلا خطيئة فليرمها أولا بحجر" (يوحنا 8 : 7 ).
وأي كلام في الموقف المسيحي بعد هذا، و لماذا العنف؟ أما أدانك أحد؟ سألها المسيح: فأجابت لا أحد يا سيد فقال: "ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضا" (يوحنا 8 : 11 ).
هذه قمة المسامحة وقمة الإنسانية أن لا تدينوا بعضكم بعض ولا نقبح ببعضنا البعض, ونرى أن روح المسيحية تتعارض مع أي احتقار للمرأة أو تحقير لها.
إن الإساءة أو العنف أو القسوة ضد المرأة لها عدة نواحي الجسدية (الفسيولوجيه) والنفسية (السيكولوجية) والروحية وأن أي انتهاك لأي من هذه النواحي هو انتهاك لجميع التعاليم والقيم السماوية والإلهية.
وان لم يكن في المسيحية فكرة الطلاق أو الفصل الجسدي بعد الزواج فمفهوم المصالحة بين الأطراف و الرؤية الشاملة للعائلة جعلت من الأسرة المسيحية أسرة مترابطة متماسكة. المسامحة أعلى و المحبة أعمق لأن الاثنان (الرجل و المرأة) أصبحا جسدا واحدا ولا يفرق بينهما سوى الأجل (الموت).
و بذلك فالزواج بالمسيحية يعني المساواة في جميع الحقوق والواجبات للطرفين وعلم العهد الجديد بقداسة رابطة الزواج (متى 19 : 8-9) و (مرقس 10 : 6-9).
وبذلك فانه لا يجوز من اجتمع بالقداسة أن يسيء إلى الآخر وخصوصا ضد المرأة التي أعطيت من الله نفس الفرصة التي أُعطيت للرجل "ليس عبدٌ ولا حر ، ليس ذكرٌ وأنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع "( غلاطية 3 : 28 ). وتؤكد الكنيسة في خدمة سر الزواج على احترام المرأة و تكريمها والعناية و الرعاية بها في السراء والضراء من خلال العهود التي تقطع.
والمرأة بشعورها بالأمان والاستقرار يزداد لديها الشعور بالانتماء إلى العائلة والأسرة مما يزيد من روابط المحبة والوفاق بين الأطراف و يبعد أي شبح لانتهاكات عنيفة أو إساءات في البيت.
وهذه العلاقات السلمية تزيد من الحاجة للآخر ليكمله فتصبح أهمية المرأة في البيت من أهمية الرجل حتى ولو لم تكن امرأة عاملة منتجة في الأسرة.
القديس بولص يوازي عدم الاهتمام بالأسرة والبيت بمن أنكر الأيمان وأنكر الله فيقول "إن كان أحد لا يعتني بخاصته ولا سيما أهل بيته فقد أنكر الأيمان و هو شر من غير المؤمن" (1 تيموثاوس 5 : 8 ).
وهنا يأتي دور الكنيسة التي تؤكد على الإيمان من خلال الأعمال الصالحة المرضية أمام الله والناس وتؤكد دور الأسرة المسيحية التي تعيش بوئام ومحبة.
وأن أي عنف مهما كان سببه ومهما كانت طبيعته فهو غير مقبول لا بل هو مرفوض بتاتا.
إذن في التعاليم المسيحية وفي العائلة المسيحية وفي التصرف المسيحي مرفوضة أي محاولات لإيذاء الآخر وإذا عدنا إلى الخليقة في المفهوم المسيحي ونظرنا إن الإنسان ذكرا وأنثى هم مخلوقات على صورة الله وشبهه فأنا اعتقد أن أية إساءة للإنسان بشكل عام وللمرآة بشكل خاص هي إساءة لله سبحانه وتعالى بذاته.
إن آذيت الصورة والشبه بالضرب كأنما تضرب الله وتحقره وإن كان الإيذاء بالكلمات فانك تنعت الله بما يشوه صورته السامية الإلهية, أو إن كان بالإهانة الروحية والنفسية أو الوجدانية فكأنما تهين الخالق الكامل.
هذه صورة يجب علينا أن نتذكرها في كل مرة نسيء بها إلى الآخر.
الإنسان هو أسمى المخلوقات التي خلقها الله على الأرض لذلك يجب المحافظة عليه بكل الطرق وشتى الوسائل لتبقى الصورة والشبه في أجمل تكوينها.
وإذا بدوت يوطوبيا في البداية، فانني أعلم يقين العلم أن الحياة التي نعيش ليست هكذا. قالت: "مجتمعي و جهلي هم ألد أعدائي, العالم لا يرحمني ويقودني إلى الاعتقاد بأن أنوثتي هي لعنة وليست مميزة, إنني أبحث عن عالم يسمع صوتي يقدرني الشخص يشجعني ويحترم أنوثتي وأمومتي. إن لدي دور هام أقوم به تجاه مجتمعي, أبحث عن سلام الفكر الذي يدفعني للعمل والإنتاج و يرضي إنسانيتي فلا أجده في هذا العالم الظالم. "بهذه الكلمات القاسية والمؤثرة, ذات الأبعاد العميقة بدأت إحدى المشاركات كلمتها في مؤتمر حول المرأة في قبرص , و هو لقاء انعقد حول المشاكل التي تواجه المرأة ( اقتباس من مجلة " تفتح فمها بالحكمة و في لسانها كلام المعروف" ,ص 4).
و الواقع المرير أن القوة الجسدية ميزت الرجل عن المرأة , و أحست المرأة أنها بحاجة إلى الحماية فكان الرجل هو الدرع الواقي لها حينا و المشكلة في استخدام القوة ضدها حينا آخر.
تغيير المجتمع من الفكر المُساوي للطرفين الرجل و المرأة إلى مجتمع رجال لهم فيه السطوة و الكلمة الأولى , و إلى مجتمع النساء فيه فقط أطاعه و الولاء ؛ أبعد الإنسان عن الله و عن كل التعاليم الإلهية .
و مع قضية حقوق الإنسان ارتفع صوت المرأة من شدة الألم و الحزن و الضعف ليُسمع أمام الله الذي لا يقبل الظلم لأحد , ثم للإنسان الواعي الذي تحرك و خصوصا النساء منهن ليساندن المرأة و يساعدنها لتحصّل جميع حقوقها.
أصبحت يد الله تعمل من خلال الكنيسة الجامعة المقدسة , فوقفت الكنيسة ضد كل أنواع الظلم و خصوصا العنف ضد المرأة و كانت المأوى و الملجأ لجميع المستضعفين و خصوصا النساء منهن , و كذلك مكانا لتعليمهن و العمل على رفع مستواهن الثقافي و العلمي , و ساعدت الكثير من الكنائس على المساواة بين الرجل و المرأة فنرى في الكنائس الإنجيلية أن المرأة خدمت كقارئة وواعظة و اليوم نرى المرأة وقد رُسمت لرتبة الشموسية و لرتبة القسوسية (و إن لم يتواجد هذا بعد في الشرق ) , وهى تخدم بحماس و غيرة كالرجال في حقل الرب .
و كان هناك عبر العصور في الكنائس الشرقية الأرثوذكسية و الكاثوليكية الشمامسة و الراهبات ولا زلن في هذه الحقول يعملن و يخدمن كاخوتهم الرجال.
إن الكثير من الرجال فسروا بعض من الآيات بالطريقة التي تعجبهم و تروق لهم إلا أن موقف الكنيسة واضح بأنها لن تقبل أي تفسير للكتاب المقدس خارج الكنيسة ووضعت الأسس و المبادئ لهذه الغاية .
وان لم يأتي العنف من الرجال دائما فهنالك من النساء يعلمن بناتهن أنهن أقل من أخوانهم الشباب , و كيف يخدمن الذكور . و هذا العنف المنزلي الذي يزرع من النساء في النساء هو أيضا مرفوض في جميع المواقف المسيحية ففي المسيح "ليس ذكر ولا أنثى" هنالك الجميع واحد و ترفض بذلك الكنيسة أي تمييز يحصل في الأسرة الواحدة أو المجتمع أو حتى في العالم.
وآتى إلى خلاصة القول بان الموقف المسيحي ثابت غير متغير على مر الأزمان واختلاف المكان هو ضد أي نوع من أنواع العنف أو التمييز أو اللامساواة ويحذر بأن من يستهن بهذه البدأة هو عدو لله.
و أشدد هنا على المرأة أن تحترم نفسها لأنها خليقة الله المساوية للرجل في جميع الحقوق و الواجبات و تفرض هذا الاحترام على من حولها ولا تسمح لأحد كائن من كان أن يعاملها بعنف و يمس بشخصيتها لا عن طريق الضرب مثلا أو حتى العنف الكلامي والنفسي الذي هو أصعب من العنف الجسدي بكثير.
اخوتي إن البرامج و اللقاءات الناجحة لربما تموت بسرعة , ولكن من الصعب قتل مجتمع يعيش بأمان و يشعر بالأمن ويقيم ويحترم كل شخص به الآخر , لان الإنسان بحاجة إلى النمو الصحيح في العلاقات الاجتماعية ليستمر في صون حقه وحق الغير عليه .
إن كل الدساتير و القوانين و الأنظمة لن تزيل هذه الظاهرة البشعة من العنف والإساءة إذا لم نتجه إلى المبادئ السامية والروحانية التي تجعل الإنسان يشعر بوجود الله معه ليقويه و يسانده و يعلمه أنه جاء إلى العالم ليعطيه الحياة فأعطاه فكان الأفضل.
من مؤلفات القس : فائق حداد فله جزيل الشكر